mardi 14 octobre 2025

تعريف الشاعر زهير بن أبي سُلمى المزني

تعريف الشاعر زهير بن أبي سُلمى المزني

زهير بن أبي سُلمى المزني (520م – 609م) شاعر جاهلي من أبرز شعراء العرب وأحد أصحاب المعلقات السبع المشهورة. عُرف بصفته شاعر الحكمة والصدق، حيث تميز شعره بالرصانة والموضوعية، بعيدًا عن المبالغة والتهويل. يُعد من طبقة الفحول في الجاهلية، واعتبره النقاد شاعرًا عقلانيًا متأملًا في قضايا الحياة والمجتمع. كانت قصائده وثائق أدبية صادقة تعكس قيم الجاهلية، لكنها في الوقت ذاته تحمل روحًا إنسانية عميقة.

1- السيرة الذاتية والنشأة

وُلد زهير في نجد حوالي سنة 520م، في قبيلة مُزينة. نشأ في بيئة شعرية، حيث كان أبوه وخاله من الشعراء، كما أصبح ابناه كعب وبجير شاعرين بعده. عُرف زهير بالاتزان والوقار، وكان شديد التدقيق في شعره حتى قيل إنه "كان ينقّح قصيدته عامًا كاملًا قبل أن يخرجها للناس"، ولهذا وصفه العرب بـالحوليّات، أي أنه ينظم القصيدة في سنة. عاش في فترة مضطربة مليئة بالحروب بين القبائل، وشهد الصلح بين عبس وذبيان بعد حرب داحس والغبراء، فخلّد ذلك في شعره.

2- أهم إنجازاته الأدبية والشعرية

1- المعلقات

كان لزهير إحدى المعلقات السبع، وقصيدته الشهيرة تبدأ بقوله:

                             أَمِن أُمِّ أَوفى دِمنَةٌ لَم تَكَلَّمِ *** بِحَومانَةِ الدُرّاجِ فَالمُتَثَلَّمِ

تميّزت هذه القصيدة بتنوع أغراضها من الغزل إلى الحكمة إلى مدح الساعين في الإصلاح.

2- شعر الحكمة

يُعد زهير شاعر الحكمة الأول في الجاهلية، فقد تميز شعره بأبيات بليغة صارت أمثالًا متداولة مثل قوله:

                           ومهما تكن عند امرئٍ من خليقةٍ *** وإن خالها تخفى على الناس تُعلمِ

جاءت حكمه نتيجة خبرته بالحياة وتأمله في مصائر الناس.

3- شعر الصلح والمدح

خلّد زهير في شعره صلح قبيلتي عبس وذبيان بعد حرب داحس والغبراء، فمدح الحُكّام الذين سَعوا في الإصلاح ودفعوا الديات لإيقاف نزيف الدماء. كان شعره هنا وثيقة تاريخية تؤكد قيمة السلام والصلح في مجتمع قبلي مضطرب.

4- شعر الغزل والوصف

رغم أنه لم يكن شاعر غزل بارزًا مثل الأعشى أو امرئ القيس، إلا أن مطالع قصائده كانت تبدأ غالبًا بالغزل والوصف التقليدي للمرأة والديار، لكنه سرعان ما ينتقل إلى المعاني الأعمق من حكمة ومدح.

3- الرؤية الفنية والأدبية

كان زهير يرى الشعر رسالة اجتماعية وأداة للإصلاح أكثر من كونه مجرد وسيلة للمتعة أو الكسب. لذا امتاز شعره بـ:
  • الصدق والواقعية: بعيدًا عن المبالغات، يصف ما يراه بعين العقل لا بعاطفة جامحة.
  • الحكمة: يربط بين تجارب الناس والدروس المستخلصة منها.
  • الاعتدال: لا يميل إلى الهجاء اللاذع أو الفخر المفرط، بل يوازن بين الغرض والأسلوب.
  • الأسلوب الجزيل: ألفاظه واضحة قوية، مع عناية بالوزن والإيقاع.

4- القضايا التي تناولها

  • السلام ونبذ الحرب: أبرز موضوع في شعره، تجلى في قصيدته عن صلح داحس والغبراء.
  • الحكمة والتجربة الإنسانية: تأمل في مصائر الناس، والحياة والموت، والعدالة الإلهية.
  • الكرم والشجاعة: مدح القيم التي تعتز بها القبيلة.
  • الواقعية الاجتماعية: عبّر عن واقع الجاهلية بصدق وموضوعية.

5- التأثير والإرث

  • ترك زهير أثرًا كبيرًا في الشعر العربي:
  • اعتُبر شاعر الحكمة والاعتدال، حتى لقّبه النقاد بـ"شاعر العقل".
  • أثّر أسلوبه المتزن في أبنائه الشعراء كعب وبجير، وخاصة كعب بن زهير الذي أسلم وأنشد قصيدته المشهورة "بانت سعاد" في مدح الرسول ﷺ.
  • ظلّت أبياته الحكمية تُستشهد في الكتب الأدبية والبلاغية على مر العصور.
  • عُدّت معلقته مرجعًا لفهم قيم المجتمع الجاهلي ومثاله الأعلى.

الخاتمة

زهير بن أبي سُلمى المزني شاعر كبير من شعراء الجاهلية، جمع بين جزالة القول وعمق الحكمة وصدق التجربة. مثّل في شعره صوت العقل والاعتدال، فكان مختلفًا عن غيره من فحول المعلقات الذين غلبت عليهم الفروسية أو الغزل. وبفضل شعره، ظل حاضرًا في ذاكرة الأدب العربي بوصفه شاعرًا إصلاحيًا واقعيًا، جعل من القصيدة وثيقة أدبية وإنسانية خالدة.

0 commentaires

Enregistrer un commentaire