jeudi 9 octobre 2025

مقال عن معاناة جميل بن معمر - أولى ثانوي

مقال عن معاناة جميل بن معمر - أولى ثانوي

المقدمة

نشأ شعر الغزل العذري في بيئة حجازية بدوية تسودها منظومة من القيم الأخلاقية الصارمة التي كان لها أثر عميق في تجربة العاشق والمعشوق. ومن أبرز شعراء هذا الغزل جميل بن معمر، الذي رأى بعض النقّاد أن شعره ليس سوى تصوير فني لعاطفة حبٍّ امتزجت بالمعاناة والحرمان.
فما هي الخصائص الفنية التي تميز غزل جميل بن معمر؟
وما هي أبعاد المعاناة والحرمان في تجربته الشعرية؟


الجوهر

ينحصر موضوع هذا البحث في كون غزل جميل ترجمةً صادقةً للانفعال الوجداني، إذ جعل من القصيدة مرآةً لمعاناته العذرية. وللوصول إلى فهم أعمق لهذه التجربة، يجدر بنا أولًا تحديد الخصائص الفنية التي أبرزت تلك المعاني الوجدانية.

لقد تميّز شعر جميل بن معمر بفرادة أسلوبية واضحة؛ فقد جعل من الغزل غرضًا مستقلًا بذاته، بعدما كان في الشعر الجاهلي مجرد تمهيد (نسيب) للأغراض الأخرى. فجميل يبدأ قصيدته مباشرة بالحديث عن الحب، كما في قوله:

أبى القلبُ إلا حبَّ بثينةَ لم يُرِدْ سِواها / وحبُّ القلبِ بثينةَ لا يُجدي

استعان جميل بلغة قريبة المأخذ، بسيطة الألفاظ، عميقة المعنى، تمزج بين الوضوح والخيال، وتفيض بعبارات تكشف عن ملامح معاناته اليومية، كما في قوله:

أمشي وتمشي في البلاد كأننا أسيران للأعداء مرتهنان

وهنا تتجلّى المعاناة الاجتماعية التي عبّر عنها الشاعر في صورة شعرية تقوم على التشبيه والتقابل.

وتفيض قصائد جميل بأنين العشق ومرارة الحرمان، لكنها مرارة تمتزج بحلاوة الحب الروحي الخالص، ذاك الذي يتجاوز حدود الزمن والمكان، ويجعل الغياب حضورًا والحضور غيابًا. لذلك تتردد في شعره مفردات مثل: الهجر، العتاب، الخصومة، الشوق...

يتكرر ضمير المتكلم في شعره (روحي، أمشي، أصلي، ضمنتُ) مما يبرز الوظيفة التعبيرية للغة، في حين يندر استعمال ضمير المخاطب (خليلي، أفق) الذي يعبّر عن الوظيفة التأثيرية، أما ضمير الغائب (قالت، ضمنت، روحها) فيحضر بصورة محدودة جدًا.

إلى جانب ذلك، يهيمن على شعره إيقاع موسيقي حزين تكسوه نغمة غنائية عميقة، إذ اختار بحورًا رصينة كالطويل، تعبّر عن ثقل المعاناة، كما أن حروف الروي (النون، الدال...) تضيف صدى من الأنين والتأوّه والتوجّع.

وتجتمع هذه الخصائص الفنية لتجعل من شعر جميل تجسيدًا صادقًا لعالمه النفسي والعاطفي، حيث يتماهى الشعر بالشعور في وحدة وجدانية متكاملة.


أوجه المعاناة والحرمان

تتخذ معاناة جميل وجهين:

  • أولًا: معاناة نفسية ذاتية نابعة من رقة إحساسه وصفاء روحه،

  • وثانيًا: معاناة اجتماعية حسية يسببها المجتمع المحافظ الذي يقيّد حرية العاشق.

لقد كان جميل يتطلّع إلى حبٍّ مثالي خالد، لا بداية له ولا نهاية، يتجاوز الزمان والمكان. ومن هنا تنبع مأساته الحقيقية؛ فهو شاعر مثالي يعيش في عالم الواقع، كما يقول:

"وليس إذا متنا بمنتقض العهد"
"وزائرُنا في ظلمة القبر واللحد"

فحبه لا يموت بالموت، بل يستمر حتى بعد الفناء.
بقي جميل وفيًّا لعهد بثينة، باكيًا مشتاقًا في صلاته ودعائه، كاشفًا عن حرمانه من اللقاء ورسوخ حبّه الأبدي.

أما الوجه الاجتماعي لمعاناته، فيرتبط ببيئته البدوية في وادي القرى، حيث تقف في وجهه عقبات متعددة: الرقيب، العاذل، الواشي، المؤنّب، والحاسد... بينما نادرًا ما يجد عونًا من الخليلين.
لذلك ظلّ الوصال مستحيلًا، فلا لقاء إلا في عالم الخيال، عبر الحلم أو القصيدة التي تصبح رسالته السرية إلى بثينة.

وهكذا، فإن معاناة جميل هي معاناة كل العذريين، إذ تعكس قصائده حرارة وجدانه وصدق عاطفته، فجاء شعره ترجمة فنية حقيقية لألمه وحرمانه.


الخاتمة

يبقى الغزل العذري في جوهره أنينًا ممزوجًا بالرنين، فالشاعر يغني شعرًا بقدر ما يتألّم وجدانًا.
يعبر عن الحنين والاشتياق في غياب الحبيبة، فيؤثر في المتلقي ويُمتعه، محققًا بذلك البلاغة في الإبلاغ، والجمال في الإبداع، وهي أسمى غايات الشعر وأرفعها.
ويبقى السؤال مطروحًا:
هل نجد التجربة نفسها في الغزل الحضري عند عمر بن أبي ربيعة؟


0 commentaires

Enregistrer un commentaire