تعريف مصطفى الفارسي – كاتب وأديب تونسي
مصطفى الفارسي (1931-2008) هو أحد أبرز الأدباء التونسيين المعاصرين ومن جيل الثلاثينات الذين أسهموا في إثراء المشهد الأدبي والثقافي في تونس. تميز بغزارة إنتاجه وتنوع مجالاته بين الرواية، القصة، المسرح، المقالة، والترجمة، إلى جانب نشاطه الثقافي والإعلامي الواسع. جمع في كتاباته بين الحس الإنساني العميق والرؤية الفكرية النقدية، فكان من الأصوات الأدبية التي حملت هموم المجتمع التونسي وسعت إلى تطوير الوعي الثقافي بعد الاستقلال.
1- السيرة الذاتية والنشأة
وُلد مصطفى الفارسي يوم 26 ديسمبر 1931 بمدينة صفاقس، وتوفي في 7 فيفري 2008. تلقى تعليمه الابتدائي والثانوي في تونس، ثم انتقل إلى فرنسا لمتابعة دراسته العليا بجامعة السوربون في باريس، حيث تحصّل على الإجازة في اللغة والآداب العربية سنة 1955، ثم على شهادة الدراسات الإسلامية العليا سنة 1956 ببحث حول ثورة القرامطة.
بعد عودته إلى تونس، انخرط في الحياة الثقافية والإعلامية، فكان صوتًا مميزًا في الصحافة والإذاعة، قبل أن يتولى مناصب مهمة في وزارة الثقافة.
2- مسيرته الثقافية والوظائف التي شغلها
ترك مصطفى الفارسي بصمة واضحة في المجال الثقافي التونسي، فقد تقلّد عدّة مناصب منها:
مدير عام للآداب بوزارة الثقافة منذ سنة 1971 إلى حين تقاعده المبكر.
رئيس مدير عام للشركة التونسية للإنتاج السينمائي (الساتباك) من 1962 إلى 1969.
مشرف على مجلة الأحداث التونسية المصوّرة لفترة طويلة.
كما كان عضوًا مؤسسًا لاتحاد الكتّاب التونسيين والجمعية التونسية لحقوق المؤلفين، وساهم في دعم الحركة الأدبية والفكرية في البلاد.
3- إنتاجه الأدبي
1. الرواية
برز مصطفى الفارسي كروائي متميز بأسلوب واقعي يلامس التحوّلات الاجتماعية والنفسية للإنسان التونسي، ومن أشهر رواياته:
المنعرج (1963): رواية تتناول أزمة الفرد في مواجهة التغيرات الاجتماعية والسياسية التي عاشتها تونس بعد الاستقلال، بلغة رمزية وتحليل نفسي عميق.
حركات (1978): رواية اعتبرها النقاد، ومنهم آدم فتحي، «إحدى روائع الأدب العربي الحديث» لما فيها من عمق فكري وإنساني، تعالج الصراع الداخلي للإنسان الباحث عن الحرية والمعنى.
2. المسرح
كان للمسرح مكانة هامة في تجربته الأدبية، إذ كتب عددًا من المسرحيات التي تميزت بتناولها قضايا الإنسان والمجتمع، مستخدمًا الرمزية والنقد الاجتماعي، ومن أبرز أعماله:
قصر الريح (مجموعة مسرحيات إذاعية، أعيد طبعها سنة 2003).
الفتنة.
الفلين يحترق أيضًا – مسرحية عن وضع المرأة.
الطوفان (بالاشتراك مع التيجاني زليلة).
رستم بن زال (بالاشتراك مع التيجاني زليلة).
البيادق (1970): مسرحية رمزية جريئة تناولت صراع السلطة والفكر، لم تُعرض سوى مرة واحدة سنة 1970 ولم يُسمح بنشرها إلا سنة 1992.
الأخيار (بالاشتراك مع التيجاني زليلة).
3. القصة القصيرة
أبدع مصطفى الفارسي في القصة القصيرة التي استخدمها كمرآة للواقع التونسي بعمق إنساني وفني، ومن مجموعاته البارزة:
القنطرة هي الحياة.
سرقت القمر: مجموعة قصصية نُسجت حولها دراما تلفزيونية سنة 1975 بعنوان الشبّاك، من سيناريو الطيب الجويلي والصادق بن عائشة وإخراج الهادي بسباس.
4. الشعر والمقال والترجمة
كتب الفارسي الشعر والمقالات النقدية والفكرية، واهتم بالترجمة، خصوصًا ترجمة الأدب الإفريقي والآسيوي، إذ نشر العديد من الترجمات في مجلة «لوتس»، كما قدم برنامجًا إذاعيًا شهيرًا بعنوان «أصوات من إفريقيا وآسيا» (لاحقًا «مبدعون من الشرق والغرب»)، عرّف من خلاله الجمهور التونسي بآداب وثقافات أخرى.
4- الرؤية الأدبية والفكرية
كان مصطفى الفارسي أديبًا ملتزمًا بقضايا مجتمعه، يرى في الأدب أداة وعي وتحرّر، لا مجرد وسيلة فنية للتسلية. جمع في كتاباته بين النقد الاجتماعي والتأمل الوجودي، متناولًا قضايا مثل:
الحرية والعدالة الاجتماعية.
موقع الإنسان في عالم متغير.
دور المثقف ومسؤوليته في زمن التحولات.
تميّز أسلوبه بالجمع بين البساطة والعمق، وبين اللغة الشعرية والسرد الواقعي، مما جعل أعماله تحافظ على طابعها الإنساني المتجدد.
5- التأثير والإرث
يُعدّ مصطفى الفارسي من الرواد الذين أسسوا للأدب التونسي الحديث، وترك أثرًا كبيرًا في الأجيال اللاحقة من الكتّاب والمثقفين. بفضل إنتاجه المتنوع، وإسهاماته في الثقافة والإعلام، أصبح رمزًا للكاتب الذي يجمع بين الفكر والإبداع، وبين الالتزام الفني والوطني.
الخاتمة
مصطفى الفارسي لم يكن مجرّد أديب، بل كان مثقفًا موسوعيًا جمع بين الأدب، الفكر، والإعلام. عبر رواياته ومسرحياته وترجماته، سعى إلى بناء وعي ثقافي جديد يربط الإنسان التونسي بعصره دون أن يقطع جذوره. ظلّ اسمه علامة بارزة في الأدب التونسي الحديث، ورمزًا للكاتب الحرّ الذي آمن بأن الكلمة قادرة على التغيير والبقاء.
0 commentaires
Enregistrer un commentaire