موضوع حجاجي حول أهمية العمل - تاسعة أساسي
الموضوع :
يعيش بعض الناس متواكلين، ينتظرون أن تأتيهم الحياة بما يشتهون دون جهد أو سعي.المطلوب: بيّن في مقال حجاجي أهمية العمل في حياة الإنسان ودوره في بناء الفرد والمجتمع، مستندًا إلى حجج وأمثلة مناسبة.
المقدمة :
لا يختلف اثنان في أنّ العمل هو أساس الحياة ومصدر كرامة الإنسان وسرّ تقدّم الأمم. فهو ليس مجرّد وسيلة لكسب القوت، بل هو قيمة إنسانية سامية، وواجب اجتماعي نبيل، وعبادة يتقرّب بها العبد إلى ربّه. فالحياة لا تستقيم بلا عمل، لأنّ الكون كلّه قائم على الحركة والنشاط؛ الكواكب تدور في أفلاكها، والبحار تجري بأمواجها، والطيور تحلّق في سمائها طلبًا للرزق. فكيف يليق بالإنسان، وهو أرقى المخلوقات، أن يعيش عاطلًا متواكلًا لا نفع له ولا عطاء؟
الجوهر :
لقد كرّم الإسلام العمل ورفعه إلى منزلة العبادة، فقال الله تعالى:
" وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ "
ولما كان العمل الشريف نوعًا من العبادة، فإنّ العامل يستجيب من خلاله لأوامر الله تعالى، فيؤدّيه بإخلاص وتفانٍ كما يؤدّي صلاته بخشوعٍ وخضوع. وقد قال رسول الله ﷺ:
"ما أكل أحد طعامًا قط خيرًا من أن يأكل من عمل يده."
ومن تأمّل في حياة الأنبياء والرسل أدرك أنّهم جميعًا مارسوا أعمالًا شريفة؛ فآدم عليه السلام اشتغل بالزراعة، وداود عليه السلام بالحدادة، ونوح بالتجارة، وموسى بالرعي، ومحمد ﷺ بالتجارة. فهل من شرفٍ أعظم من أن يكون العمل سنةً من سنن الأنبياء؟
إنّ بالعمل يعبّر الإنسان عن ذاته ويؤدي رسالته في هذا الكون، لأنه يجسّد معنى الوجود الإنساني ويحقّق التوازن بين الجسد والروح. فالعمل ليس مجرد حركةٍ مادية، بل هو فعلٌ حضاريّ يعبّر عن وعي الإنسان ومسؤوليته في إعمار الأرض.
والعمل أيضًا وسيلة لمقاومة الزمن، فالعامل هو صانع التاريخ والمشارك في بناء الحضارة. كما أنّ العمل يشغل الإنسان عن همومه ويقوّي صحّته، لأنه حركة ونشاط، والبدن الذي يعمل هو بدن حيّ متجدّد.
ثمّ إنّ الإيمان بالعمل جدارٌ منيع ضدّ اليأس والإحباط، لأنه يزرع في النفس الأمل ويغذّي الروح بالعزيمة. وكما قال الأديب محمود تيمور:
"ما العمل إلا استغراق في أعماق الحقائق وعزوف عن التفاهة والفراغ."
فالعمل يطهّر النفس من الكسل ويحرّرها من الفراغ الذي يقتل الطموح، وهو أيضًا ينمّي القدرات الذهنية ويفتح المواهب ويكسر رتابة الأيام. ومن خلاله تتّسع دائرة علاقات الإنسان الاجتماعية، ويكتسب الخبرة والحرية والاستقلالية، ويحفظ كرامته من الذلّ والحاجة. وقد قال الفيلسوف الفرنسي فولتير:
"ثلاثة أشياء تُفقد الإنسان قيمته: القلق، والرذيلة والاحتياج."
إضافة إلى ذلك، فإنّ العمل يُشعر الإنسان بسعادةٍ داخليةٍ عميقة، لأنه يمنحه الإحساس بالقيمة والقدرة على الخلق والعطاء. فالإنسان العامل يشعر بأنه يشارك في صنع الحياة، ويترك بصمته في هذا العالم. وقد عبّر الأديب رجب بودبوس عن ذلك بقوله:
"في كلّ إنتاجٍ ينطبع وجود الإنسان،أعني أنّ كلّ إنتاجٍ يحمل جزءًا من وجود الانسان"
وللعمل آثار عظيمة على المجتمع أيضًا، إذ يقضي على الفقر والبطالة والانحراف، ويشيع روح التعاون والتكافل بين أفراده. فالمجتمع الذي يعمل جميع أفراده كالبنيان المرصوص يشدّ بعضه بعضًا، وتزدهر فيه قيم الإخلاص والإتقان.
ولنا في اليابان خير مثالٍ على ذلك، فقد نهض شعبها من تحت رماد الحرب والدمار، وأقام نهضته بفضل الجدّ والاجتهاد والإيمان العميق بقيمة العمل. فهل كان سيبلغ تلك القمة لو استسلم للكسل واليأس؟
الخاتمة :
وخلاصة القول، إنّ العمل هو عماد الحياة وركيزة الحضارة وسبيل الكرامة. به يعبّر الإنسان عن ذاته ويؤدي رسالته، وبه تنهض الأمم وتُبنى الأوطان. فالعمل عبادةٌ وإبداعٌ وشرف، وهو الذي يمنح الحياة معناها ويملؤها أملاً ونورًا.
فلنُخلص في أعمالنا، ولنجعل منها وسيلتنا لخدمة أنفسنا ومجتمعنا وديننا، ولنتذكّر دائمًا قول الله تعالى:
" وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ "
.png)
0 commentaires
Enregistrer un commentaire