mercredi 22 octobre 2025

تجلي صورة المعشوقة في ديوان جميل بن معمر

تجلي صورة المعشوقة في ديوان جميل بن معمر

تُجسّد الحبيبة في منظومة جميل بن معمر الشعرية بنية متكاملة، تتجاوز الوصف الجسدي الآسر والمُغري والرمز الاجتماعي الشائع. هي ليست مُجرّد كينونة أنثوية ملموسة تُدعى "بثينة"، بل غدت مثالاً أعلى انعكس فيه جوهر العشق العذري السامي.

وأول ما يلوح في هذه الصورة هو سموّ مكانتها الأخلاقية؛ جمالها لا يقتصر على المظاهر الحسية الفاتنة، بل يتجلّى في لمحات روحية: في العيون التي تأسِر القلب، وفي البراءة التي تُشبه ندى الصباح، وفي العفاف الذي يُنعش الروح. هذا التصوير ينقل سحر الجمال من إطاره الخارجي إلى عمق النفس العاشقة، ليُصبح الجمال قوة قاهرة تستولي على كيان الشاعر.

وقد استرسل الشاعر في رسم هذه اللوحة الروحية، مُعتبراً إياها نموذجاً للصفاء والعفاف؛ فهي امرأة رزينة، تصون الميثاق، وتُحافظ على عهد الحب بزهو الطهر والفضيلة. وهذا ما يُميّزها عن سائر الصور النسائية في سياق الغزل الإباحي الذي لا يرتقي إلى سموّ العشق الروحاني الخالد.

كما ترتقي هذه العلاقة إلى مستوى الوجودية؛ إذ تتحول الحبيبة في فكر الشاعر إلى محور كوني لحياته ومسوّغ لوجوده، فهي عالمه الأوحد، وبغيابها يُصبح الكون قفراً مُوحِشاً. وهذا ما يُعبّر عنه في قوله:
وإني لأرضى من بثينة بالذي...

يتجلّى هنا رضا الشاعر بـ الذكرى الطاهرة كبديل للقاء الفعلي، مُدركاً أن معشوقته ليست شخصاً عادياً، بل هي كائن وجودي يُغذّي مسار حياته.

وبجانب هذا التكريس الروحي، يربط جميل قصة حبه بالتحدي والمُباعدة، مُحاطاً بقيود الأعراف الاجتماعية والعقبات القبلية. إنه يعيش صراعاً داخلياً عميقاً بين خياره الروحي والقيود التي تفرضها بيئته. ومن هنا يكتسب هذا الحب أبعاداً مأساوية من اللوعة والألم والحرمان.

وفي الختام، لا يُمكن إنكار أن شعر جميل بن معمر يُجسّد حبيبة تُحلّق إلى عالم الخلود؛ فهو يُحييها بذكراه المُتجدّدة، فتتفتّح كـأُقحوانة في بحر الشعر العربي، دون أن ترتهن بمكان أو زمان. هذا البُعد يُحوّل صورتها إلى حقيقة سرمدية مُتوهّجة، تظلّ حاضرة بقوة في كل زاوية من زوايا إبداعه الشعري العذري الجميل.

خلاصة القول: إن الحبيبة في شعر جميل بن معمر ليست مجرد واقع ملموس، بل هي مثال أسطوري في مُخيلة العاشق العذري: امرأة جميلة مُتّشحة بالعفّة، بعيدة المنال، تُغذّيها آلام الشوق والعذل. إنها تجسيد للوحدة الوجودية، ورمز للروح السامية، وأيقونة للحب الأبدي المُتعالي.

0 commentaires

Enregistrer un commentaire