lundi 27 octobre 2025

تعريف محمود بن جماعة – مفكر ومترجم تونسي

تعريف محمود بن جماعة – مفكر ومترجم تونسي

التونسي محمود بن جماعة ولد في مدينة صفاقس في 28 ديسمبر 1941، وتلقى تعليمه الأولي في بلاده قبل أن ينتقل إلى فرنسا لإتمام دراسته الجامعية. هناك، تخصص في الفلسفة وحصل على الأستاذية من كلية الآداب في غرونوبل عام 1966، ثم نال شهادة الدراسات العليا عام 1967 عن بحثه المعنون «الحرية والضرورة عند كارل ماركس». وأكمل مسيرته الأكاديميـة لاحقـاً بالحصول على شهادة التعمق في البحث من تونس عام 1989.
على الصعيد المهني، خاض بن جماعة تجربة التدريس لمادة الفلسفة في المعاهد الثانوية ومدارس إعداد المعلمين، ثم ترقى ليصبح متفقداً عاماً للتربية. وظلّ مُكرساً لفكره وعمله حتى وافته المنية في 7 يناير 2025 عن عمر ناهز 84 عاماً.

1- السيرة الذاتية والنشأة:

وُلد محمود بن جماعة في مدينة صفاقس سنة 1941. نشأ في بيئة مثقفة اهتمت بالعلم والفكر، مما جعله يميل منذ صغره إلى القراءة والتأمل في قضايا الإنسان والمجتمع. تابع دراسته الجامعية في الفلسفة، حيث حصل على الأستاذية من جامعة قرنوبل بفرنسا سنة 1966، ثم واصل دراساته العليا في مجال الفكر الفلسفي، متعمقًا في فلسفة كارل ماركس وقضايا الحرية والضرورة. بعد عودته إلى تونس، عمل أستاذًا للفلسفة ثم متفقدًا عامًا للتربية، فكان من أبرز المربين والمفكرين الذين جمعوا بين الفكر الأكاديمي والممارسة التربوية. توفي سنة 2025 عن عمر ناهز الرابعة والثمانين، تاركًا أثرًا فكريًا عميقًا في الساحة الثقافية التونسية.

2- أهم إنجازاته الفكرية والأدبية:

تميّز محمود بن جماعة بتعدد اهتماماته الفكرية والأدبية، إذ جمع بين الفلسفة والترجمة والشعر والنشاط التربوي والاجتماعي.

1. الترجمة:

اعتبر بن جماعة الترجمة وسيلة للتواصل بين الحضارات وجسرًا يربط الفكر العربي بالثقافة الغربية. ترجم العديد من الأعمال الفلسفية والأدبية إلى العربية، من أبرزها كتاب «مقال في أصل اللامساواة بين البشر» لجان جاك روسو و*«المعجم النقدي للماركسية»*. كانت ترجماته دقيقة وأمينة، تجمع بين العمق اللغوي والفهم الفلسفي للنصوص الأصلية، وقد ساهمت في نشر الفكر التنويري بين القرّاء التونسيين والعرب.

2. الفكر الفلسفي:

كان محمود بن جماعة مفكرًا عميق النظرة، تناول في كتاباته ومحاضراته قضايا الحرية والوعي والمعرفة، مؤكدًا أن الفلسفة ليست حكرًا على النخبة، بل هي حاجة إنسانية لكل من يسعى إلى فهم ذاته والعالم. كما اهتم بتحديث تعليم الفلسفة في المدارس التونسية، وساهم في تكوين الأجيال الجديدة من المدرّسين.

3. النشاط التربوي:

كرّس جزءًا كبيرًا من حياته لخدمة التربية والتعليم، فكان من أبرز المساهمين في تطوير مناهج تدريس الفلسفة، ساعيًا إلى جعلها مادة تُنمّي التفكير النقدي لدى المتعلّمين. وكان معروفًا بصرامته العلمية وعمقه التربوي، حيث جمع بين الصرامة والمنهج الإنساني في تكوين المربين.

4. الشعر والأدب:

إلى جانب اهتمامه بالفكر، كتب محمود بن جماعة نصوصًا شعرية باللغتين العربية والفرنسية، اتسمت بالحس التأملي واللغة الهادئة العميقة. عبّر في شعره عن تأملاته في الحياة والوجود، وعن رؤيته للعالم كفضاء للتواصل الإنساني والمعرفي.

5. النشاط الثقافي والاجتماعي:

شارك في تأسيس عدد من الجمعيات الثقافية والنقابية، وكان من أوائل المناضلين في مجال حقوق الإنسان بتونس. آمن بدور الثقافة في بناء المجتمع الديمقراطي، فكان دائم الحضور في الندوات والحوارات الفكرية، داعيًا إلى حرية الفكر والانفتاح على الآخر.

3- الرؤية الفكرية والفنية:

رأى محمود بن جماعة أن الثقافة ليست ترفًا، بل ضرورة لبناء الإنسان الحر الواعي. كان يعتبر الترجمة فعل إبداع لا يقل أهمية عن التأليف، إذ تمنح النص حياة جديدة في لغة أخرى. كما كان يؤمن بأن التربية هي الطريق الأهم لتطوير المجتمع، وأن الفلسفة هي روح كل معرفة. في فكره يجتمع التأمل العقلي بالبعد الإنساني، والعلم بالحرية، والكلمة بالفعل.

4- القضايا التي تناولها:

تناول بن جماعة في كتاباته وترجماته قضايا أساسية مثل:

الحرية والوعي الإنساني: باعتبارها جوهر الوجود ومسؤولية الإنسان تجاه نفسه ومجتمعه.
الحوار بين الثقافات: إذ كان يرى أن التواصل بين الحضارات أساس للتقدم الإنساني.
الهوية والتجديد: حيث دعا إلى التوفيق بين الأصالة والانفتاح، بين الفكر العربي والإبداع العالمي.
التربية والتفكير النقدي: مؤكّدًا أن تعليم الفلسفة هو السبيل إلى تحرير العقول من الجمود.

5- التأثير والإرث:

ترك محمود بن جماعة إرثًا فكريًا غنيًا، أثّر في أجيال من الأساتذة والمثقفين في تونس والعالم العربي. جمع بين الفكر والفعل، فكان نموذجًا للمفكر الملتزم الذي يعيش من أجل المعرفة والحرية. بفضل ترجماته وأعماله ومساهماته التربوية، ساهم في إثراء الثقافة التونسية الحديثة وجعلها أكثر انفتاحًا على الفكر العالمي.

الخاتمة:

كان محمود بن جماعة مفكرًا موسوعيًا جمع بين الفلسفة والترجمة والشعر والتربية، فشكّل حلقة وصل بين الفكر الغربي والعقل العربي. مثّل نموذج المثقف الحر الذي يرى في الكلمة مسؤولية وفي المعرفة خلاصًا. ستظل أعماله شاهدًا على فكرٍ عميقٍ آمن بالإنسان وبقيمة الحوار، وجعل من الثقافة رسالة نبيلة لخدمة الوطن والإنسانية.

0 commentaires

Enregistrer un commentaire