تدريب كتابي على الإنشاء حول المدينة بالريف (محور المدينة والرّيف)
المعطى: خرجت مبكرًا أتجوّل في أزقّة المدينة، فشدّ انتباهي تراكم القمامة في زوايا الشوارع، ووجوه شاحبة تمشي بخطوات بطيئة نحو أعمالها، خالية من أي ابتسامة، ونوافذ مغلقة تحجب وراءها عزلة سكانها رغم كثرتهم، لتبدو المدينة وكأنها صامتة، باردة، مسكونة بقبح التلوث وبرود المشاعر الإنسانية
المطلوب: اكتب نصًا وصفيًا تصوّر فيه قبح التلوث وبرود العلاقات الإنسانية في المدينة كما رأيته بعينيك
التّحرير :
خرجتُ باكراً، والمدينة نائمة في هدوئها الصباحي الزائف، كأنها تختبئ خلف ستار من السكينة المصطنعة. الشوارع خالية تقريباً، فقط همسات الرياح العابرة بين زوايا المباني تعلن عن وجود حياة خافتة، لكن سرعان ما انكشفت الحقيقة القاسية: الوجه القبيح للمدينة والبرود الذي يكسو كل زاوية فيها. القمامة متناثرة بلا رحمة، أوراق ملوثة وبلاستيك ممزق يتراقص على الأرصفة بفعل الرياح، ورائحة نتنة تتسلل إلى أنفي، فتجعل كل شهيق وكأنه صرخة استغاثة للفضاء. المدينة تبدو كأنها جرح مفتوح، والإنسان الذي يسكنها هو من عمق هذا الجرح.الناس يتحركون كأشباح، وجوههم شاحبة، خطواتهم متثاقلة وكأنها أثقال روتينية لا تنتهي، وعيونهم فارغة، تخلو من أي شعور أو ابتسامة، كأنهم نسوا معنى الفرح. السيارات تصطف على جانبي الشوارع، محركةً أصواتها العالية التي تتداخل مع صرير المكابح، وصوت بائع يصرخ لبيع بضاعته، بينما المباني الشاهقة تحاصر المكان من كل جانب، تختزن حرارة الشمس اللاهبة بين جدرانها الضيقة، فتزيد من كدر النفس وتثقل الأجواء على النفوس.
كل نافذة مغلقة بإحكام، وكل شخص يبدو في عالمه المعزول، رغم تكدس البشر حوله. المدينة هنا ليست مجرد مكان للسكن، بل صندوق كبير للغربة والوحدة. التلوث هنا لا يقتصر على البيئة المادية فقط، بل يمتد إلى الأرواح؛ فالبشر هنا يتحركون كالتروس في آلة ضخمة، ينسون أنفسهم ويضحّون بدفء القلوب، بابتسامات كانت يومًا رمزًا للتواصل الإنساني. الغربة عن الطبيعة، عن النسيم، عن الأرض، تجعل المدينة أشبه بسجن بلا أبواب، حيث الصوت الوحيد الذي يملأ المكان هو صخب السيارات والآلات، متجانس مع صخب القلوب المجهدة.
مع كل خطوة أخطوها، شعرت بوحشة المكان تتسرب إلى نفسي، كأن الحياة هنا استبدلت بالروتين، والقيم الإنسانية استنزفت بين القمامة والضجيج وبرود القلوب. أمعنت النظر في وجوه المارة، فرأيت قصصهم المخبأة وراء التعابير الجامدة، آلامهم وأحلامهم المفقودة في دوامة الحياة الميكانيكية. وفي هذا المشهد الكئيب، تدرك أن العيش في المدينة ليس مجرد تحدٍ للجسد، بل اختبار للقلب والروح، محاولة للبقاء على قيد الإنسانية وسط عالم فقد فيه دفء البشر والطبيعة التي تحيط بهم، حيث كل شيء يبدو وكأنه يتشبث بالحياة من أجل البقاء فقط، لا من أجل العيش.
.png)
0 commentaires
Enregistrer un commentaire