mercredi 29 octobre 2025

تعريف الشاعر محمد الغزي – شاعر وناقد تونسي

تعريف الشاعر محمد الغزي – شاعر وناقد تونسي

محمد الغزي (1949 – 2024) هو شاعر وناقد تونسي بارز، يُعدّ من أهم الأصوات الشعرية في تونس والعالم العربي خلال النصف الثاني من القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين.
تميّز بأسلوب شعري يجمع بين العمق الفلسفي والصفاء الروحي، وبين جمال الصورة وصدق الإحساس. كانت قصيدته فضاءً للتأمل والبحث عن المعنى الإنساني، إذ جعل من الشعر وسيلة للتعبير عن الذات والوجود والطبيعة، وعن علاقة الإنسان بوطنه وبالزمن.
إلى جانب الشعر، اشتغل محمد الغزي بالتدريس الجامعي والبحث الأدبي، وأسهم في تطوير النقد الأدبي التونسي وفي تكوين أجيال من الشعراء والكتّاب، مما جعله رمزًا من رموز الأدب التونسي الحديث.

1- السيرة الذاتية والنشأة

وُلد محمد الغزي في مدينة القيروان يوم 24 فبراير 1949. نشأ في بيئة تونسية محافظة ومثقفة، حيث تعلّق منذ طفولته بالكلمة وبأجواء الشعر والقرآن. تلقى تعليمه الابتدائي والثانوي في القيروان، ثم واصل دراسته العليا في الأدب العربي حتى نال الأستاذية سنة 1973، وشهادة التأهيل الجامعي سنة 2008.
اشتغل أستاذًا للتعليم العالي بكلية الآداب بالقيروان، ثم درّس في جامعة نزوى بسلطنة عُمان، وكان له تأثير كبير في الحياة الأكاديمية والثقافية داخل تونس وخارجها.
توفي يوم 18 جانفي 2024 بعد مسيرة طويلة من العطاء الأدبي والعلمي، تاركًا وراءه إرثًا شعريًا وإنسانيًا خالدًا.

2- أهم إنجازاته الأدبية والفكرية

1. الشعر

كان الشعر قلب مشروعه الإبداعي، إذ رأى فيه فعلًا روحيًا ووسيلة لاكتشاف الذات. تميزت قصيدته بالصفاء، والرمزية، والإيحاء، وباستخدام صور مستمدة من الطبيعة والذاكرة والطفولة.
من أبرز دواوينه الشعرية:

كتاب الماء، كتاب الجمر
ما أكثر ما أعطى، ما أقل ما أخذت
كثير هذا القليل الذي أخذت
سليل الماء
استجب إن دعتك الجبال

كانت هذه الأعمال تعبيرًا عن تجربة إنسانية عميقة، تجمع بين التأمل الفلسفي والإحساس الجمالي، وتطرح تساؤلات حول الوجود والزمن والحب والحرية.

2. أدب الطفل

أبدع محمد الغزي أيضًا في مجال أدب الطفل، فكتب قصصًا ذات بعد تربوي وإنساني، تمزج بين الخيال والرسالة الأخلاقية.
من أشهر مؤلفاته الموجهة للأطفال:

صوت القصبة الحزين
علّمني الغناء أيها الصرّار
الأرض وقوس قزح
رسالة إلى الشتاء (التي نالت جائزة أحسن كتاب للطفل في تونس)

3. النقد الأدبي

كتب الغزي دراسات نقدية حول الشعر التونسي الحديث وأساليب التجديد في القصيدة العربية.
كان يربط في نقده بين النص والسياق الثقافي والاجتماعي، معتمدًا أسلوبًا يجمع بين التحليل الأدبي والتأمل الفلسفي، مما أكسبه احترام النقاد والباحثين في الساحة الأدبية.

3- الرؤية الشعرية والفكرية

كان محمد الغزي يرى أن الشعر فعل وجودي قبل أن يكون فنيًا، وأن الشاعر لا يكتب الكلمات فحسب، بل يكتب روحه وتجربته في الحياة.
تقوم رؤيته على أن الشعر وسيلة لاكتشاف العالم من الداخل، لا بوصفه خارجيًا فقط بل كحالة شعورية وروحية.

في قصائده، تتجلى عناصر الطبيعة – الماء، الجبال، الجمر، الريح – كرموز للحياة والتحول والمعاناة. كما يتكرر في شعره موضوع الحنين إلى الطفولة والعودة إلى الجذور، بما يعكس حسه الإنساني العميق.
كان الغزي أيضًا شاعرًا مخلصًا لقضايا الإنسان، يرى أن الجمال لا ينفصل عن الحرية، وأن الكلمة الصادقة قادرة على مقاومة القبح والظلم.

4- القضايا التي تناولها في أعماله

الهوية والانتماء الوطني والإنساني
الطفولة كرمز للنقاء والبراءة
العلاقة بين الإنسان والطبيعة
البحث عن الذات والارتقاء الروحي
الصراع بين الواقع والحلم

5- الجوائز والتكريمات

حصل محمد الغزي خلال مسيرته على عدة جوائز وطنية وعربية، منها:

جائزة أحسن كتاب للطفل في تونس عن رسالة إلى الشتاء
تكريمات أدبية من وزارة الثقافة التونسية وعدة مؤسسات عربية تقديرًا لعطائه الإبداعي والنقدي
كما حظي بتكريم خاص من اتحاد الكتّاب التونسيين ووزارة التعليم العالي، تقديرًا لدوره في خدمة الأدب والتعليم والثقافة.

الخاتمة

يُعدّ محمد الغزي من أبرز شعراء تونس المعاصرين، ومن أكثرهم صدقًا وتجذرًا في التجربة الإنسانية. استطاع أن يجعل من الشعر مساحة للتأمل في الحياة، وللاحتفاء بالإنسان والطبيعة والجمال.
كان شاعرًا يبحث عن النور في أعماق اللغة، وعن الأمل وسط العزلة والحنين، وقد شكّل بمجموع أعماله جسرًا بين جيلين: جيل التأسيس وجيل الحداثة الشعرية في تونس.

ترك محمد الغزي بصمة لا تُمحى في الأدب التونسي والعربي، لأنه كتب بصدق القلب وعمق الفكر، فكان شعره مرآة للروح وذاكرة للإنسان. سيبقى اسمه منقوشًا في سجل الشعراء الكبار الذين آمنوا بأن الكلمة قادرة على أن تمنح العالم معنى جديدًا وجمالًا لا يزول.

0 commentaires

Enregistrer un commentaire