jeudi 23 octobre 2025

تعريف الكاتب أبي الحسن بن زنباع الصنهاجي (ابن بياع)

تعريف الكاتب أبي الحسن بن زنباع الصنهاجي (ابن بياع)

أبو الحسن بن زنباع الصنهاجي، المعروف أيضًا بـ ابن بياع الطنجي، هو أديب وطبيب وفقيه مغربي عاش في أواخر القرن الخامس الهجري وأوائل القرن السادس الهجري. برز في عهده كواحد من أعلام الفكر والأدب في بلاد المغرب، وجمع بين علوم الدين والطب والبيان، فكان مثالًا للمثقف الموسوعي في عصر المرابطين.

1- السيرة الذاتية والنشأة:

ولد أبو الحسن بن زنباع في مدينة طنجة بالمغرب الأقصى، في بيئة علمية راقية ازدهرت فيها الثقافة الإسلامية في ظل الدولة المرابطية. ينتمي إلى قبيلة صنهاجة العريقة، وقد نسبه بعض المؤرخين إلى حِمير، استنادًا إلى ما ذكره القلقشندي في صبح الأعشى، حيث قال إنه كان "من أهل طنجة ومنسوب إلى حمير".
تلقى علومه الأولى في الفقه واللغة والطب، وأظهر منذ صغره ميولًا قوية نحو العلم والشعر، فنبغ في كليهما حتى تولّى منصب القضاء في طنجة، في الوقت الذي كان فيه صديقه القاضي عياض يتولى القضاء في سبتة.

كان معروفًا بورعه وعلمه الغزير، كما تميز بدماثة الخلق وسعة الثقافة، مما جعله من أبرز علماء وفقهاء عصره.

2- إنجازاته العلمية والأدبية:

1. في الأدب والشعر:

كان ابن زنباع شاعرًا بارعًا، جمع في شعره بين الرقة والبلاغة وعمق المعنى، كما عبّر عن ولعه بجمال الطبيعة في قصائده، وأبرز فيها إحساسه المرهف وتأمله العميق في الكون.
من أشهر قصائده قصيدة “الربيعية”، التي تعد من أجمل ما قيل في وصف الطبيعة، إذ يقول فيها:

أبدت لنا الأيام زهرةَ طيبِها وتسربلت بنضيرِها وقشيبِها
تشدو وتهتز الغصونُ كأنّما حركاتُها رقصٌ على تطريبِها

اتسم شعره بجمال التصوير وحيوية اللغة، وكان يعكس تأثره بالبيئة المغربية الغنية بالألوان والمشاهد الطبيعية.

كما كتب شعرًا في تمجيد الانتصارات المرابطية في الأندلس، مبرزًا روح الفخر والانتماء إلى الأمة الإسلامية.

2. في الطب:

كان ابن زنباع طبيبًا بارعًا، جمع بين المعرفة النظرية والخبرة العملية، وقد وصفه الفتح بن خاقان بأنه:
"عالم بالطب، واضح المنهاج، موفق العلاج."
وهذا دليل على براعته وتمكنه في هذا المجال، حتى أصبح مرجعًا في الطب في عصره.

3. في الفقه والقضاء:

إلى جانب الطب والأدب، كان ابن زنباع فقيهًا وقاضيًا مرموقًا، ذُكر اسمه ضمن أعيان القضاة في كتب التراجم، مثل القلائد، إلى جانب علماء كبار مثل أبي الوليد الباجي وابن حمدين وابن عطية الأندلسي وأبي عبيد البكري.
تميزت أحكامه بالعدل والحكمة، واشتهر بقدرته على الجمع بين الفقه والنظر العقلي.

3- مكانته الفكرية والعلمية:

حظي ابن زنباع بمكانة مرموقة بين علماء المغرب والأندلس، فقد جمع بين العلم والعمل، والفقه والأدب، والعقل والعاطفة. وصفه القلقشندي في صبح الأعشى بأنه من “أهل طنجة الأعلام”، كما أشار إليه عبد الله كنون في كتابه ذكريات مشاهير المغرب، مؤكدًا قيمته الفكرية والأدبية.
وقد لُقّب في بعض المخطوطات باسم “ابن بياع”، كما ذكر شهاب الدين الخفاجي في طراز المجالس، ويبدو أنه كان يُعرف بالاسمين معًا، كما أكد المستشرق الفرنسي هـ. بيريس.

4- مؤلفاته وأعماله:

من أهم ما يُنسب إليه:
ديوان أبي الحسن بن زنباع الطنجي (مخطوط)، الذي جمع فيه قصائده وأشعاره في الطبيعة والمدح والفكر.
كما يُذكر له اهتمام بالطب والفقه، وربما كانت له مؤلفات أخرى لم تصل إلينا كاملة بسبب ضياع عدد كبير من مخطوطات تلك الحقبة.

5- رؤيته الأدبية والفكرية:

كان ابن زنباع يرى في الأدب وسيلة لتطهير النفس والسمو بالروح. في شعره، تتداخل الحكمة والتأمل، وتظهر فيه روح التصوف والبحث عن الجمال الإلهي في مظاهر الكون.
أما في ممارساته الطبية، فقد جمع بين العلم والتجربة والإيمان، معتبرًا الطب علمًا لخدمة الإنسان والرحمة به.

6- إرثه وتأثيره:

ترك ابن زنباع إرثًا علميًا وأدبيًا خالدًا، إذ يُعد نموذجًا للمثقف الموسوعي في العصور الإسلامية بالمغرب. جمع بين الفقه والطب والشعر، فكان رمزًا للعالم الأديب الذي يوحد بين الفكر والجمال والعلم.
ولا تزال قصيدته “الربيعية” شاهدًا على ذوقه الفني الرفيع وقدرته على تحويل المشهد الطبيعي إلى لوحة شعرية نابضة بالحياة.

الخاتمة:

كان أبو الحسن بن زنباع الصنهاجي (ابن بياع) واحدًا من أعلام الفكر والأدب في المغرب الإسلامي خلال عهد المرابطين. جمع بين القلم والمشرط، وبين الفقه والشعر، وبين العلم والوجدان.
ترك أثرًا عميقًا في مجالات الأدب والعلم والقضاء، وظل اسمه رمزًا للعالم الذي وهب علمه وحياته لخدمة الإنسان والحقيقة والجمال.

0 commentaires

Enregistrer un commentaire