mercredi 22 octobre 2025

موضوع حول محور الأسرة - سابعة أساسي

موضوع حول محور الأسرة - سابعة أساسي

المقدمة

في مساءٍ خريفيٍّ بارد، اجتمعت أسرتي الصغيرة في غرفة الجلوس حول المدفأة، نستمتع بدفء الأحاديث ومرح التلفاز الذي كان يملأ المكان بالضحك. جلستُ إلى جانب أمي وهي تحيك غطاءً صوفيًّا، وأبي يقلب صفحات الجريدة بطمأنينة، بينما كان إخوتي يتنافسون في لعبةٍ مسلية. كانت الأجواء عائلية مفعمة بالحبّ والراحة، لا يعكر صفوها شيء. لكنّ السعادة لا تدوم دائمًا، ففي غفلةٍ منّا تغيّر كلّ شيء حين لاحظنا غياب أخي الصغير ياسر.

 الجوهر

بدأ القلق يتسلل إلى القلوب حين ساد الصمت فجأة، وبدأ كل واحدٍ منّا يبحث في أرجاء البيت. فتّشنا الغرف والممرات، ناديناه مرارًا دون جدوى. وبعد لحظاتٍ طويلة من التوتر، وجدناه ممددًا تحت الأريكة، وجهه شاحب وملامحه منهكة، كأن الحياة قد غادرته. سرت في جسدي قشعريرة من الخوف، وأحسست بأنّ قلبي سيقفز من مكانه.

هرعت أمي نحوه واحتضنته بقوة، بينما أسرع أبي يمدّ يده ليتأكد من نبضه، لكن حرارة جسده المرتفعة جعلته يتجه مباشرة إلى الهاتف ليطلب الطبيب. كان صوته مضطربًا وهو يشرح له الحالة، ثم عاد يجلس قرب أمي محاولًا تهدئتها، في حين كانت دموعها تنهمر بصمتٍ وهي تضع قطعة قماشٍ مبللة على جبين ابنها الصغير.

ما هي إلا دقائق حتى وصل الطبيب، فبدأ بفحصه بعنايةٍ، وقاس حرارته، ثم قال بنبرةٍ مطمئنة إنّها حُمّى شديدة سببها الزكام. كانت كلماته كالبلسم على قلوبنا الخائفة. أوصى الطبيب بالراحة التامة والدواء اللازم، وكتب وصفةً قصيرة وأوصى بتبريد جسده بالماء البارد.

أخذ أبي الوصفة وخرج مسرعًا إلى الصيدلية رغم برودة الليل. كنت أراه من النافذة يسير بخطواتٍ سريعة، وقلبي يرافقه بالدعاء. كان الشارع ساكنًا، والريح الباردة تصفع وجهه، لكنّه لم يهتمّ، فحبّه لابنه أقوى من أي بردٍ أو تعب.

بعد وقتٍ قصير عاد يحمل كيس الدواء، وقد غطّى وجهه التعب، لكنه كان يخفيه بابتسامةٍ مطمئنة لأمي. أعدّت أمي الشراب الدافئ، وجهّزت الدواء بحذرٍ وحنانٍ، وأخذت تمسح على جبينه وتهمس له بدعاءٍ صادق، بينما كنت أراقب وجهها الممتلئ بالقلق والأمل في آنٍ واحد.

طوال تلك الليلة لم يغمض لأحدٍ منا جفن. جلس أبي قرب السرير يراقب أنفاس ياسر، وأمي تضع الكمادات وتقرأ بعض الأدعية، أما أنا فكنت أتابع كل حركةٍ في صمتٍ وخوفٍ طفوليّ. كانت اللحظات تمرّ ببطءٍ شديد، حتى بدأت حرارة وجهه تخفّ شيئًا فشيئًا، وارتسمت على ملامحه راحة خفيفة كأنّه يستسلم لنومٍ عميق.

مع طلوع الفجر، عاد الهدوء إلى البيت، وبدأت أمي تبكي فرحًا وهي تشكر الله على رحمته. لم يكن أحدٌ قادرًا على وصف شعورنا في تلك اللحظة، فقد أحسسنا أنّنا نملك الدنيا بما فيها حين بدأ أخي يستعيد وعيه ويبتسم.

وفي اليوم التالي، ظلّت أمي تعتني به بكلّ دقةٍ وصبر، تقدّم له دواءه في مواعيده، وتعدّ له حساءً خفيفًا يقوّي جسده الضعيف، بينما كان أبي يحرص على تهوية الغرفة ومراقبة حاله عن قرب. واصلنا جميعًا هذا الاهتمام لأيامٍ متتالية حتى عاد أخي يلهو ويضحك كما كان، وامتلأ البيت مجددًا بحيويةٍ افتقدناها.

 الخاتمة

حين تعافى ياسر تمامًا، شعرنا بأنّ الحياة عادت إلى بيتنا ومعها البهجة والسكينة. جلسنا في المساء نفسه حول المدفأة من جديد، ولكن هذه المرة بقلوبٍ أكثر امتنانًا وحبًّا لبعضنا.

تعلّمت من تلك الحادثة أنّ المرض امتحانٌ للمحبة العائلية، وأنّ التعاون بين أفراد الأسرة يجعل الصعب سهلًا، والخوف طمأنينة. كما أدركت أنّ الأمّ هي نبع الحنان الذي لا يجفّ، وأنّ الأب هو عماد البيت الذي لا يكلّ ولا يملّ من التضحية، وأنّنا معًا نكون أقوى في وجه كلّ شدّة.
لقد كانت تلك الليلة درسًا خالدًا في حياتي، جعلتني أؤمن بأنّ الشفاء لا يأتي فقط من الدواء، بل من الدفء العائلي الذي يحيط المريض بحبٍّ لا حدود له.

0 commentaires

Enregistrer un commentaire