تعريف شاعر هارون هاشم رشيد – أديب
هارون هاشم رشيد (1927 – 2020) هو شاعر وأديب فلسطيني بارز، يُعد من أبرز الأصوات الشعرية التي عبّرت عن مأساة الشعب الفلسطيني وقضيته. لُقِّب بـ "شاعر النكبة" و**"شاعر العودة"**، لما حمله شعره من مشاعر الوجع والحنين، ولما جسّده من صمود الإنسان الفلسطيني أمام الاحتلال واللجوء. شكّل شعره وثيقة إنسانية ووطنية للأجيال، إذ امتزج فيه الوجدان الثائر بالأسلوب الفني الرفيع.
1- السيرة الذاتية والنشأة:
وُلد هارون هاشم رشيد في مدينة غزة عام 1927، ونشأ في أسرة متوسطة الحال محبة للعلم والوطن. تلقى تعليمه الابتدائي والثانوي في غزة، ثم التحق بمعهد المعلمين بالقدس، حيث تخرّج معلّمًا في أربعينيات القرن العشرين.
عاش تجربة النكبة عام 1948 بكل تفاصيلها المؤلمة، إذ اضطر إلى مغادرة مدينته مع آلاف اللاجئين الفلسطينيين، وهو ما شكّل نقطة تحول في حياته ومسيرته الأدبية. انعكست هذه التجربة بعمق في شعره الذي امتلأ بصور الحنين والفقد والتمسك بالأرض والكرامة.
عمل في وكالة الأنباء الفلسطينية، كما شغل مناصب في الإعلام والثقافة في القاهرة وغزة، وكان ممثلًا لمنظمة التحرير الفلسطينية في كندا. طوال مسيرته، ظل شاعرًا ملتزمًا بقضيته، مخلصًا لصوت الوطن والمظلومين.
2- أهم إنجازاته الأدبية والفكرية:
1- الشعر:
كرّس هارون هاشم رشيد شعره لخدمة القضية الفلسطينية، فجاء شعره وطنيًا إنسانيًا بامتياز. تميّز بأسلوب مباشر مؤثر، يجمع بين البساطة والصدق العاطفي، وبين القوة التعبيرية والإيقاع الموسيقي. كتب عن الأرض، اللجوء، المخيمات، المقاومة، والأمل بالعودة.
من أبرز مجموعاته الشعرية:
"مع الغرباء" (1954): أولى مجموعاته الشعرية، تناول فيها تجربة اللجوء ومعاناة اللاجئين الفلسطينيين بعد النكبة.
"عودة الغرباء" (1956): عبّر فيها عن حلم العودة إلى الوطن، فكانت صرخة حنين وأمل في وجه الألم والتشريد.
"غزة في خط النار" (1969): تناول فيها نضال الفلسطينيين في مواجهة الاحتلال، ورمز فيها إلى غزة بوصفها قلعة الصمود والمقاومة.
"سفينة الغضب" (1970): مجموعة تجسد الثورة والتمرد على الظلم، بأسلوب حماسي يمزج بين الوجدان الوطني والصور الشعرية القوية.
"حتى يعود شعبنا" (1987): تُعد من أبرز أعماله المتأخرة، حيث جمع فيها بين الأمل والوجع والتمسك بالهوية.
كان شعره قريبًا من عامة الناس، فقصائده تُتلى في المدارس والمخيمات، وتُغنّى في المهرجانات الوطنية، لما تحمله من صدق وشعور جماعي بالوطن.
2- المسرح الشعري:
إلى جانب الشعر الغنائي والوطني، كتب هارون هاشم رشيد مسرحيات شعرية تُعد من أوائل المحاولات في المسرح الشعري الفلسطيني.
من أشهرها:
"السيف والبقاء": تناولت رمزية الصراع بين الحق والباطل، والتمسك بالأرض رغم القهر.
"عصافير الشوك": مسرحية شعرية تجسّد معاناة الفلسطينيين تحت الاحتلال، بأسلوب رمزي مؤثر.
3- الكتابة الإذاعية والتلفزيونية:
عمل هارون هاشم رشيد في الإذاعة الفلسطينية والمصرية، حيث قدّم برامج أدبية ووطنية، وأسهم في تعريف المستمع العربي بالقضية الفلسطينية من خلال الكلمة والصوت. كما كتب نصوصًا إذاعية تعبّر عن الصمود والتمسك بالهوية.
4- الأغنية الوطنية:
تحوّلت العديد من قصائده إلى أغانٍ خالدة، غنّاها كبار الفنانين العرب، مثل:
"أناديكم" – غنّاها أحمد قعبور، وأصبحت نشيدًا للحرية والمقاومة.
"هنا باقون" – من أكثر قصائده شهرة، تلخص إصرار الفلسطينيين على البقاء والصمود رغم الاحتلال.
3- الرؤية الأدبية والفكرية:
كان هارون هاشم رشيد يرى في الشعر وسيلة للمقاومة وحفظ الذاكرة. بالنسبة له، الكلمة سلاح، والقصيدة وطن بديل في زمن اللجوء. لم يكن شعره مجرد بكاء على الماضي، بل كان دعوة للنهوض والإيمان بالحق.
تميّز شعره بالبساطة التعبيرية، إذ كان يخاطب الإنسان العربي العادي، مستخدمًا لغة قريبة من القلب لكنها مشبعة بالرموز الوطنية. حافظ على الوزن والقافية التقليديين، لكنه أضفى عليهما روحًا جديدة من الالتزام والصدق.
1- القضايا التي تناولها:
القضية الفلسطينية: شكّلت المحور الأساسي في شعره، من النكبة إلى الانتفاضة، ومن الغربة إلى حلم العودة.
الحرية والمقاومة: عبّر عن مقاومة الإنسان الفلسطيني للظلم والاحتلال، مؤمنًا بأن الحرية حق لا يُمنح بل يُنتزع.
الحنين والهوية: جسّد شعوره بالغربة عن الوطن، مؤكدًا أن الهوية لا تزول مهما طال المنفى.
الإنسانية والأمل: رغم الألم، لم يخلُ شعره من الأمل والإيمان بعدالة القضية وبانتصار الحق.
4- التأثير والإرث:
ترك هارون هاشم رشيد بصمة عميقة في الشعر الفلسطيني والعربي، وكان من أوائل الشعراء الذين حوّلوا المأساة إلى فعل فني مقاوم. شكّل شعره جسرًا بين الجيل الذي عاش النكبة والأجيال الجديدة التي ورثت الذاكرة والنضال.
نال العديد من الجوائز والتكريمات، منها:
وسام القدس للثقافة والفنون من منظمة التحرير الفلسطينية.
جائزة المجلس الأعلى للثقافة في مصر تقديرًا لعطائه الأدبي.
كما تُرجمت بعض أعماله إلى لغات أجنبية، مثل الإنجليزية والفرنسية، ما ساعد في إيصال الصوت الفلسطيني إلى العالم.
الخاتمة:
هارون هاشم رشيد لم يكن مجرد شاعر، بل كان ضميرًا وطنيًا وإنسانيًا حمل همّ فلسطين في كلماته وحياته. عبّر عن الوجع الجمعي لشعب بأكمله، وخلّد في شعره صورة الوطن المفقود والأمل بالعودة. ترك وراءه تراثًا شعريًا خالدًا سيبقى شاهدًا على روح الصمود والإيمان بعدالة القضية الفلسطينية، وصوتًا لا يخبو ما دامت فلسطين تنبض في الذاكرة العربية.
.png)
0 commentaires
Enregistrer un commentaire