موسم جني التمور - ثامنة أساسي
حلّ موسم جني التمور في قريتنا الصغيرة، فدبّت الحياة من جديد بعد سكون الصيف الطويل والحرّ اللاهب. ما إن بدأت النخيل تلمع بعراجينها الناضجة، حتى عمّت البهجة وجوه الناس، وشعر كل فرد أن الطبيعة قد كرّمته قبل الآخرين. تبدو الواحات في هذا الوقت كلوحات من ذهب ممتدة تحت أشعة الشمس، والنخيل شامخ كالإطال، تحمل على قممها عراجين من التمر الناضج، تلمع بلون العنبر والعسل وكأنها كنوز طبيعية تنتظر من يجنيها.
مع إشراقة الصباح، يخرج الأهالي نحو الواحات في جماعات، رجالاً ونساءً وأطفالًا، يملؤهم حماس لا يفتّر. تسمع أصوات التحايا تتردد بين الممرات الرملية، وتختلط الضحكات برقزقة العصافير. الرجال يصعدون النخيل برشاقة، يقطعون الحذوق بعناية حتى لا تتلف الثمار، والنساء في الأسفل يفرشن الحصير ويلتقطن التمر بحنان، يضعنه في القفاف الكبيرة التي تفوح منها رائحة الحلاوة والبركة. أما الأطفال، فيمرحون بين الأشجار ويلتقطون ما سقط من تمر ناضج ليتذوقوه بشغف، فتغمرهم سعادة بسيطة وبرّية، تنم عن ارتباطهم العميق بهذه الأرض.
ومع اشتداد حرّ الشمس في منتصف النهار، يزداد التعب، لكنّ عزيمة الأهالي لا تضعف. العرق ينساب على الوجوه السمراء التي زادتها الشمس صلابة وإشراقًا، والضحكات لا تغيب رغم المشقة. يعرف الجميع أن هذا الموسم ليس موسم عمل فحسب، بل هو موسم فرح ورزق، وكل حبة تمر يقطفونها تحمل في طياتها ثمرة صبرهم وجهدهم طوال العام.
وفي أواخر النهار، حين تميل الشمس نحو الغروب، تلمع السلال المملوءة بالتمر كأحجار كريمة. يجلس الجميع يستريحون تحت ظلّ الدخيل، يتقاسمون الطعام والشاي، ويتبادلون الأحاديث والذكريات عن مواسم مضت. يسود الجو روح من الألفة والمحبة، حيث يشارك الصغير والكبير، الرجل والمرأة، في هذه اللحظات الرائعة التي تعكس جمال التعاون والعمل الجماعي.
موسم جني التمور لا يملأ البيوت بخيرات الأرض فقط، بل يملأ القلوب طمأنينة وفخرًا. إنه مناسبة يكتشف فيها الأهالي ارتباطهم العميق بأرضهم وأشجار النخيل التي ورثوها عن الأجداد، رمز الكرامة والعطاء في الصحراء. كل تمر يتم قطفه هو شهادة على صبرهم وجهدهم، ورمز للحياة التي لا تتوقف عن العطاء ما دام الإنسان يقدّرها ويعمل فيها بمحبة.
الخاتمة:
إن موسم جني التمور لوحةً نابضة بالحياة، تتحد فيها ألوان الطبيعة وعرق الإنسان وفرح الجماعة. يعلم هذا الموسم الناس معنى التعاون والتكاتف، ويذكّرهم بقيمة الأرض التي لا تبخل بالعطاء، ما داموا يزرعونها بجهدهم ويقطفون ثمارها بحبّهم. هو موسم يبقى في الذاكرة، يروي قصصًا عن صبر الإنسان وفرح الطبيعة، ويجعل من كل حبة تمر ذكرى جميلة تتوارثها الأجيال.
.png)
0 commentaires
Enregistrer un commentaire