تعريف الشاعرعبد العزيز المقالح
عبد العزيز المقالح (1937 – 2022) هو شاعر، كاتب، وأكاديمي يمني بارز، يُعدّ أحد أبرز رموز الشعر العربي الحديث في اليمن والعالم العربي. عُرف بإسهاماته الواسعة في تطوير الحركة الأدبية والفكرية في بلاده، وبأسلوبه الشعري المفعم بالتأمل والحنين إلى الوطن، والبحث عن الحرية والجمال وسط واقع مضطرب. جمع المقالح في شخصه بين الشاعر والمفكر والأستاذ الجامعي، فكان صوته من الأصوات الأدبية التي مزجت بين الثقافة التراثية والرؤية المعاصرة، ليُخلّد اسمه في سجل النهضة الأدبية العربية الحديثة.
1- السيرة الذاتية والنشأة:
وُلد عبد العزيز صالح المقالح عام 1937 في قرية المقالح بمحافظة إبّ في اليمن، ونُسب إليها اسمه. نشأ في بيئة ريفية بسيطة، ولكنها مشبعة بروح المعرفة والقراءة، فحفظ القرآن الكريم صغيرًا، وبدأت بوادر نبوغه تظهر منذ طفولته.
انتقل إلى صنعاء لاستكمال دراسته، حيث درس الأدب العربي في جامعة القاهرة، ونال منها درجة الدكتوراه في الأدب العربي الحديث عام 1977. تأثّر خلال سنوات دراسته بالحركة الأدبية في مصر، وانفتح على المدارس الشعرية الجديدة، مما ساعده على صقل موهبته وبناء رؤيته الفكرية والشعرية.
بعد عودته إلى اليمن، انخرط في العمل الثقافي والأكاديمي، فشغل منصب رئيس جامعة صنعاء لسنوات طويلة، كما تولّى رئاسة مركز الدراسات والبحوث اليمني، وكان له دور محوري في تشجيع الإبداع الأدبي ودعم المواهب الشابة في اليمن والعالم العربي.
2- أهم إنجازاته الأدبية والفكرية:
1- الشعر:
يُعتبر عبد العزيز المقالح من أبرز روّاد الشعر الحديث في اليمن، وقد ساهم في نقله من القالب التقليدي إلى فضاءات جديدة تمزج بين الأصالة والتجديد. تميّز شعره بالصدق الوجداني واللغة الشفافة، وبعمق إنساني يعبّر عن الحنين، الوطن، والإنسان العربي المقهور بالألم والأمل معًا.
من أشهر مجموعاته الشعرية:
"لا بد من صنعاء": ديوان شعري يعدّ من أشهر أعماله وأكثرها تأثيرًا، عبّر فيه عن عشقه العميق للعاصمة اليمنية صنعاء، وجعل منها رمزًا للحضارة والذاكرة والمقاومة.
"أبجدية الروح": مجموعة شعرية تأملية تناول فيها الكاتب رحلة الإنسان في الحياة، وعلاقته بالحب والموت والزمن.
"كتاب صنعاء": قصائد تجمع بين الحنين والرمزية، جعلت من المدينة معادلًا للوطن والحلم والخلود.
في شعر المقالح، تتقاطع الذات الفردية بالهمّ الجمعي، ويختلط الحزن بالعشق، والواقع بالأسطورة، في لغةٍ موسيقية عذبة تذكّر بروح المتنبي وتطلعات أدونيس.
2- النقد والدراسات الأدبية:
لم يكن المقالح شاعرًا فحسب، بل كان ناقدًا أدبيًا ومفكرًا أكاديميًا مرموقًا. كتب دراسات نقدية وبحثية تُعد من المراجع الأساسية في دراسة الأدب اليمني والعربي.
من أبرز مؤلفاته النقدية والفكرية:
"قراءة في الأدب اليمني الحديث": دراسة رائدة تناول فيها تطور الأدب في اليمن، محللًا العوامل السياسية والاجتماعية التي أثّرت فيه.
"شعر العامية في اليمن": بحث أكاديمي مهم حول الأدب الشعبي ودلالاته الثقافية.
"أصوات من اليمن": دراسة نقدية جمع فيها نماذج من الشعراء اليمنيين الشباب، داعمًا ظهور جيل جديد من المبدعين.
3- التعليم والعمل الثقافي:
كان عبد العزيز المقالح من الشخصيات الثقافية التي تركت بصمة واضحة في الحياة الأكاديمية اليمنية. شغل مناصب أكاديمية وثقافية مرموقة، منها:
رئيس جامعة صنعاء (1982 – 2001).
رئيس مركز الدراسات والبحوث اليمني.
عضو في مجمع اللغة العربية بالقاهرة.
كما أشرف على رسائل علمية كثيرة في الأدب والنقد، وشارك في مؤتمرات عربية ودولية، مدافعًا عن القضايا الثقافية العربية، ومؤكدًا على أهمية التعليم والثقافة في بناء الإنسان.
3- الرؤية الأدبية والفكرية:
آمن عبد العزيز المقالح بأن الأدب هو مرآة الإنسان وروحه، وأن الشعر خصوصًا هو وسيلة لمقاومة القبح واليأس، واستعادة معنى الجمال في زمن الفوضى.
في رؤيته الفكرية، كان يؤمن بأن الثقافة لا تنفصل عن الوطن، وأن الكاتب يجب أن يكون شاهدًا على عصره، لا مجرد متفرج. لذا جاءت قصائده مشبعة بالهمّ الوطني، تعانق الحلم الثوري وتبكي على الواقع الموجع، دون أن تفقد نبرتها الإنسانية الحالمة.
كما دعا إلى الحفاظ على التراث العربي مع الانفتاح على الحداثة، فكان مشروعه الثقافي قائمًا على التجديد دون القطيعة، والانتماء دون الانغلاق.
4- القضايا التي تناولها في شعره:
الوطن والهوية: مثّلت اليمن في شعره أكثر من وطن، كانت أمًّا، وذاكرة، ورمزًا للكرامة والعروبة.
الحب والإنسان: تغنّى المقالح بالحب الإنساني العميق، وجعل منه وسيلة لفهم الوجود والخلود.
الموت والحنين: عكست قصائده نظرة تأملية للموت، لا بوصفه نهاية، بل بوصفه عودة إلى الأصل والذاكرة.
الحرية والمقاومة: كان صوته ضد الظلم والاستبداد، مؤمنًا بأن الكلمة الصادقة قادرة على إشعال الوعي.
5- الجوائز والتكريمات:
نال عبد العزيز المقالح العديد من الجوائز العربية والدولية تقديرًا لعطائه الأدبي والفكري، من أبرزها:
جائزة اللوتس للأدب (1986).
جائزة الثقافة العربية من منظمة اليونسكو (2003).
جائزة الشارقة للثقافة العربية (2010).
كما أُقيمت له ندوات تكريمية في عواصم عربية عديدة، واعتُبر سفيرًا ثقافيًا للأدب اليمني في العالم العربي.
6- التأثير والإرث الأدبي:
ترك عبد العزيز المقالح إرثًا ثقافيًا هائلًا، فهو يُعدّ الأب الروحي للشعر الحديث في اليمن، وأحد رموز النهضة الأدبية العربية المعاصرة. أثرى المكتبة العربية بإنتاجه الواسع، وأثر في أجيال من الشعراء والباحثين الذين ساروا على خطاه.
ظلّ حتى آخر أيامه وفيًّا للكلمة الصادقة، متمسكًا بالأمل رغم كل الانكسارات، إلى أن رحل في نوفمبر 2022، تاركًا خلفه مدرسة شعرية خالدة تُجسّد صوت اليمن والإنسان العربي الحر.
الخاتمة:
كان عبد العزيز المقالح شاعر اليمن الأول، وصوتها الذي لم يخفت رغم العواصف. جمع بين العمق الإنساني والالتزام الوطني، وبين الإبداع الفني والرؤية الفكرية. بفضل إيمانه بالكلمة ودورها في التغيير، أصبح رمزًا ثقافيًا خالدًا في الذاكرة العربية.
سيبقى شعره شاهدًا على عصرٍ من الألم والحلم، وعلى شاعرٍ أحب وطنه بالكلمة، فصار الوطن في شعره خالداً بخلود القصيدة.
.png)
0 commentaires
Enregistrer un commentaire