شرح نص العلم والعمل
التقديم :
نص «العلم والعمل» مقتطف من كتاب «المقابسات» لأبي حيّان التوحيدي، ينتمي إلى أدب المجالس الذي يمزج بين الحوار الفكري والوعظ الأخلاقي، ويطرح فيه الكاتب رؤية صوفية عقلية تبيّن مكانة العلم والعمل في تحقيق كمال الإنسان وسعادته.
الموضوع :
يبرز أبو حيّان في هذا النص قيمة العلم والعمل وتلازمهما في بناء إنسان عاقل عامل، ويبيّن أن بهما وحدهما يتحقق تهذيب النفس والارتقاء الروحي إلى السعادة القصوى والاتصال بالحقّ الأول.
التقسيم :
-
تبيـين قيمة العلم والجهل من خلال المقابلة بين «حياة العلم» و«موت الجهل» في الفقرة الأولى.
-
بيان تلازم العلم والعمل وفساد كل واحد منهما إذا انفصل عن الآخر، مع شرح دورهما في العقل والنفس.
-
الآثار الروحية للعلم والعمل ووصف حال الواصلين إلى فضاء الوحدة الإلهية وصعوبة طريق المعرفة والتوحيد.
الإجابة عن الأسئلة :
أوّلا: الفهم والتحليل
1- تتأسّس المقابسة على بنية مجلس علمي يضم جماعة من الحاضرين يتصدّرهم المتكلّم (أبو زكريّا) فيخاطبهم بخطاب تعليمي وعظي، وهذا ينسجم مع أدب المجالس الذي ينقل ما يدور فيها من حوار وحِكم ومواعظ.
2- الثنائية هي العلم/الجهل؛ فالعلم حياة الحيّ في دنياه وأخراه، والجهل موت له وهو حيّ، والتضادّ يبرز أن قيمة الإنسان الحقيقية لا تكون إلا بالعلم وأن الجهل يمحو إنسانيته ومعناه.
3- العلم نورٌ إلهيّ يقدّس المعقول ويرفع العقل إلى إدراك الحقّ الأوّل، والعمل رياضة للنفس الشهوانية والغاضبة وتهذيب للسلوك، ويتلازمان لأن العلم بلا عمل رياء، والعمل بلا علم عمى، وهما معًا يحقّقان صورة الإنسان الكامل في الفكر القديم (كائن عاقل وفاعل).
4- الحجة بالإيجاب تقوم على تثبيت فضائل العلم والعمل بذكر آثارهما الحسنة («العلم حياة»، «العلم إلهي في البشر»، «العمل كله نور»)، والحجة بالخلف تُظهر فساد حال من عري من العلم أو العمل («كخابط عشواء»، «كلاَبِس ثوبي زور»)، واستراتيجيًا يقدَّم الإثبات ثمّ يُدعم بالنقيض حتى يقتنع المتلقي عقلا ووجدانًا بضرورة الجمع بينهما.
5- من مظاهر النزعة التعليمية كثرة التعريفات والتقسيمات («العلم فنون… والعمل ضروب…»)، واعتماد الأمثلة والتشبيهات التوضيحية، وتكرار الألفاظ المفتاحية، والاستفهام التقريري («فماذا ترى يكون بعد مماته؟») وكلها توجّه القارئ وتبسّط الفكرة وتقرّبها.
6- يتجلّى التكرار في تردّد كلمتي «العلم» و«العمل» في معظم الجمل، وفي الصيغ المتقابلة («الواصل والموصول، العالم والمعلوم، العاقل والمعقول»)، وفي الإيقاع القائم على إعادة التراكيب، مما يخلق موسيقى داخلية ويؤسّس شعريّة النثر ويشدّ انتباه المتلقي.
7- الخلفية الصوفية تتمثّل في اعتبار العلم طريقًا إلى الحقّ الأوّل، والعمل وسيلة لتطهير النفس، وفي الحديث عن فضاء الوحدة حيث تزول الكثرة والتمييز، ويتّحد العاقل بالمعقول، وهي رؤية تجعل الغاية من العلم والعمل بلوغ السعادة الروحية والاتصال بالله.
ثانيا: النقاش
1- عبارة «العلم إلهي في البشر» تفيد أن منشأ العلم نورٌ ربّاني يُلقى في العقل، فهو يجمع بين الإلهام الإلهي والبناء النظري المنظّم، فلا يقتصر على الإشراق الحدسي ولا على مجرّد الإنشاء العقلي.
2- ضروب البديع في المقابسة (المقابلة، التكرار، الجناس) لا تفسد المعنى بل تزيده قوّة ووضوحًا، لأنها تضفي على النص إيقاعًا وجرسًا يرسّخان الأفكار في الذهن ويجعلان الدلالة أعمق وأقرب إلى الوجدان.
3- التوحيدي يركّز على القيمة الروحية للعلم والعمل لكنه لا ينفي نجاعة العلم في الواقع؛ والأقرب أن يكون العلم والعمل معًا أساسًا للسعادة الروحية وللبناء المادي، فالعلم الحقيقي هو الذي يثمر صلاح النفس وصلاح العالم في آن واحد.
ثالثا: البلاغة
1- الاستفهام في قوله: «أتظنّ أن الرقي في سلاليم المعرفة والتناهي في غايات التوحيد هيّن سهل؟» استفهام إنكاري يفيد النفي والتوبيخ، ومعناه أن طريق المعرفة والتوحيد صعب شاقّ لا يُنال بالكسل والتمنّي.
2- «تبقى» تفيد الدوام والاستمرار، و«تبلى» تدلّ على الفناء والاهتراء، و«تغنى» تعني الاستغناء والكفاية، و«تضنى» تشير إلى التعب والضعف والفقر؛ والفروق تقوم على تقابل البقاء/الفناء و الغنى/الضنى.
رابعا: المعجم والحقل الدلالي
1- من معجم «العلم»: الحقّ الأوّل، العقل، المعقول، المعرفة، التقديس، الغاية، الوصول؛ ومن معجم «العمل»: الطاعة، الرياضة، التطهير، التهيئة، النور، الجلاء، التزيين.
2- «النفس الشهوانية» هي القوة الميّالة إلى اللذّة والمتع الحسيّة، و«النفس الغاضبة» هي قوة الانفعال والدفاع والاندفاع، و«النفس العاقلة» هي القوة المنظِّمة التي تسيّر باقي القوى وتهديها إلى الخير والاعتدال.
3- عبارة «هناك الواصل والموصول، والعالم والمعلوم، والعاقل والمعقول في فضاء الوحدة» تعبّر عن حال العارف الذي يبلغ درجة الفناء في المعرفة، فتزول المسافة بين الذات والموضوع ويتحقّق نوع من الوحدة الروحية بين الإنسان والحقّ.

0 commentaires
Enregistrer un commentaire