شرح نص النَّظم والنَّثر – أبو حيان التوحيدي
التقديم :
نصّ قياسيّ لأبي حيان التوحيدي مقتطف من «الإمتاع والمؤانسة»، يندرج ضمن المنزع العقلي، يعالج فيه مسألة المفاضلة بين النثر والنظم معتمِدًا العرض والمناقشة اعتمادًا على أقوال العلماء.
الموضوع :
يعرض التوحيدي أقوال العلماء في تفضيل النثر أو النظم، مبيِّنًا فضائل كلٍّ منهما ومقوِّماته، لينتهي إلى موقف توفيقي يجمع بينهما.
التقسيم :
-
منطوق سؤال الوزير وتمهيد المشكلة : طلب بيان مراتب النظم والنثر وحدودهما وفضل كلٍّ منهما.
-
عرض أقوال أنصار النثر : أبو عابد الكرخي، عيسى الوزير، ابن طرّارة، وبيان شرف النثر وأصالته.
-
عرض أقوال أنصار النظم : السلامي وذكر ما يميّز الشعر من صناعة وإيقاع وغناء.
-
الجمع بين القولين وخلاصة التوحيدي : بلاغة الشعر وبلاغة النثر عند أبي سليمان، ثمّ رأي التوحيدي التوفيقي.
الإجابة عن الأسئلة :
الفهم والتحليل :
1- يقوم النصّ على العرض والتعريف بأقوال العلماء؛ فيُقسَّم إلى تمهيد بسؤال الوزير، ثمّ أقوال أنصار النثر، ثمّ أقوال أنصار النظم، ثمّ خلاصة توفيقيّة.
2- الإجمال في قوله: «قد قال الناس في هذين الفنين ضروباً من القول…»، أمّا التفصيل ففي عرض أقوال كلّ عالم وحججه؛ الإجمال للتأطير والتهيئة، والتفصيل لبناء البرهنة وتقويتها.
3- أ- فضائل النثر: أنّه أصل الكلام، وأنّ الكتب السماوية نزلت منثورَة، وأنّه كلام الإنسان الفطري، وأنّه حرّ من قيود الوزن ومن جهة العقل والطبيعة.
ب- مزايا النظم: صناعة مستقلّة ببحور وأوزان، اقترانه بالغناء والإيقاع، شدّة تأثيره في النفس، وثبات صورته في الذاكرة.
ج- حجج النثر عقليّة وطبيعيّة وكونيّة، وحجج النظم فنيّة ووجدانيّة تقوم على الموسيقى والتأثير.
د- الأقوى إقناعًا: أصلية النثر وارتباطه بالكتب السماوية والعقل، تليها حجج الإيقاع والغناء في تفضيل النظم.
4- اللفظ والمعنى حاضران في تمييز بلاغة الشعر والنثر؛ ومن الثنائيات الأخرى: أصل/فرع، عقل/حس، طبيعي/صناعي، حرّية/تقيّد، نثر/نظم؛ وكلّها ترجع إلى المفاضلة بين النثر العقليّ الحرّ والنظم الحسّي الموزون.
5- الاستقصاء يتجلّى في جمع أقوال عدد من العلماء مع شواهد من الكتب السماوية والطبيعة واللغة؛ والقصد إحاطة الموضوع من جوانب مختلفة، وإظهار الموضوعية وسَعة الاطّلاع.
6- في النثر: وضوح المعنى، سهولة التأليف، تهذيب الأسلوب، رقة الحواشي، خفّة الأمثلة، صفاء الصياغة. وفي النظم: سلامة الوزن والقافية، انسجام الحركات والسكنات، الجزالة، القدرة على الغناء، وقوّة الأثر في النفس.
7- انتهى إلى أنّ أحسن الكلام «نظم كأنّه نثر، ونثر كأنّه نظم»، أي كلام يجمع سلاسة النثر ومتانته مع جمال النظم وموسيقاه؛ فهو لا يميل إلى أحدهما وحده بل يفضّل التوليف بينهما.
8- معنى قوله: النثر من قبل العقل: أنّه يقوم على التفكير المجرد وترتيب المعاني، والنظم من قبل الحسّ: لأنّه يعتمد على الإيقاع والصوت والانفعال؛ وهذا يوافق انتقال الحضارة العربية من المشافهة الشعرية الحسّية إلى التدوين النثري العلمي الذي يخدم العقل والمعرفة.
النقاش :
أرى أنّ قول عيسى الوزير صحيح في الغالب؛ فالنثر يغلب عليه البناء العقلي (رسائل الجاحظ والتوحيدي)، والنظم يغلب عليه الحسّ والإيقاع؛ لكن كِلاهما لا يخلو من عقل أو حسّ. والشاعر أقلّ حرّية من الناثر لأنّه مقيّد بالوزن والعَروض، بينما الناثر لا يلزمه هذا القيد.
حدّد الوزير في سؤاله مجال القول في مراتب النظم والنثر ومعايير الحكم من فائدة وعائدة وصناعة وبراعة؛ التزم التوحيدي بهذه الحدود لكنّه وسّعها بجمع الأقوال وموازنتها، فنستنتج أنّه مفكّر حرّ يستثمر السؤال لبناء حجاج عقلي شامل.
بمناسبة هذا النص :
المعجم : الإنصاف: إعطاء كلّ ذي حقّ حقَّه بلا تحيّز. التنافس: سعيُ الأطراف إلى التفوّق في إطار مشروع. التّعصّب: الانغلاق على رأي ورفض ما سواه. المحكّ: الميزان أو المعيار الذي يُختبَر به الشيء وتُعرَف حقيقته.
النحو (أداة «لو» وقيمتها الحجاجية): من أمثلتها: «لو كان فعل هذا بالنثر لكان منقوصاً»، «لو لم يُفعل هذا بالنظم لكان محسوساً»؛ تُستعمل لافتراض حالة مخالِفة تُبيَّن نتيجتُها الفاسدة، فيقوى بذلك الرأي الذي يدافع عنه المتكلّم.
الحقل المعجمي للنثر والنظم : معجم النثر: أصل الكلام، منثور، مبسوط، متباينة الأوزان، سهلة التأليف، الرونق، الحواشي الرقيقة، الأمثلة الخفيفة. معجم النظم: الوزن، العَروض، القافية، البحور، الغناء، الطنطنة، الإيقاع، الحركات والسكنات. يدلّ معجم النثر على العقل والطبيعة والحرّية، بينما يدلّ معجم النظم على الصنعة والموسيقى والتقيّد بالشكل.

0 commentaires
Enregistrer un commentaire