شرح قصيدة الباب تقرعه الرياح
التقديم :
قصيدة «الباب تقرعه الرياح» لبدر شاكر السياب من شعر المنفى والمرض في مرحلته الأخيرة، كتبها في لندن سنة 1963، تعبّر عن إحساس الشاعر بالغربة والعزلة، واستحضاره لروح أمه ووطنه العراق أمام باب غرفته المغلق الذي تصفعه الرياح ليلًا، فتتحول الريح إلى رمز لصوت الحنين والألم الداخلي.
الموضوع :
تتناول القصيدة حنين الشاعر المنفي إلى أمه ووطنه العراق واستحضاره لروحها عند باب غرفته المغلق تحت وطأة الوحدة والمرض والفراق.
التقسيم :
-
المقطع الأول: من «الباب ما قرعته غير الريح…» إلى «يمشي على قدمين، وهو اليوم يزحف في انكسار»
- تصوير وحدة الشاعر وغربته والباب الذي لا يطرقه أحد سوى الريح.
- الإحساس بالانكسار والضعف أمام المسافات والبحار والمدن الفاصلة.
-
المقطع الثاني: من «هي روح أمي هزها الحب العميق…» إلى «ويسائلون الليل عنك وهم لعودك في انتظار؟»
- استحضار روح الأم ونداؤها لابنها البعيد عن الديار.
- استرجاع مشاهد الطفولة والبيت والصغار في جو من الحزن والندم.
-
المقطع الثالث: من «الباب تقرعه الرياح لعل روحاً منك…» إلى نهاية النص.
- تجدد الحنين إلى الأم وطلب عودتها ولو شبحًا.
- اشتداد الشوق إلى العراق والتساؤل المؤلم: «أين أنت؟ أتسمعين صرخات قلبي…؟» مع وعي نهائي بالفراق.
الإجابة عن الأسئلة :
التلفظ :
1- هل اكتفى المتكلم بمخاطب واحد على مدى النص؟
لا، لم يكتف المتكلم بمخاطب واحد؛ فهو في البداية يتحدث عن الريح والباب بصيغة الحكاية والوصف، ثم ينتقل إلى مخاطبة أمه مباشرة بنداءات حارّة، ويتوجه أحيانًا إلى نفسه وإلى الغائبين (الأطفال، الغرباء)، فيتعدد المخاطَب بين الريح والأم والذات والآخرين.
2- في أي موضع من النص تحوّل المتكلم إلى مخاطب؟
يتحول المتكلم إلى مخاطب حين يستحضر روح أمه في قوله: «هي روح أمي هزها الحب العميق»، ثم يظهر خطابها لابنها: «آه يا ولدي البعيد عن الديار»، وبعد ذلك يخاطبها هو مباشرة بقوله: «أماه ليتك ترجعين»، «أين أنت؟ أتسمعين…». هنا ينتقل النص من الوصف والسرد إلى الحوار والمناجاة المباشرة.
بناء الشعر
3- جعل الشاعر نصه في ثلاثة مقاطع، فما خصائص كل مقطع؟ وما علاقته بالآخرين؟
المقطع الأول يغلب عليه تصوير الوحدة والغربة من خلال الباب والريح والبحار والمدن المظلمة.
المقطع الثاني يتركز على استحضار الأم والبيت والطفولة في شكل حوار وجداني بينها وبين ابنها الغريب، مع صور للصغار والبيت والدموع.
المقطع الثالث يشتد فيه الحنين إلى الأم والوطن ويتحول إلى تأمل في الفراق الأبدي ونداء للعراق.
تتكامل المقاطع الثلاثة في رسم مسار شعوري واحد: من الإحساس بالعزلة → إلى استرجاع الحنان المفقود → إلى إدراك عمق الفراق والحنين إلى الوطن.
4- هل من تكامل في المعنى بين التعبير عن الوحدة وتصوير الشوق الحارق والإخبار بالعجز عن الفعل؟
نعم، هناك تكامل واضح؛ فالوحدة (باب مغلق، رياح، ظلام، غربة) تولد الشوق الحارق إلى الأم والوطن، وهذا الشوق يتضاعف بسبب عجز الشاعر عن الرجوع أو الفعل («كيف تعود وحدك، لا دليل ولا رفيق؟»). وهكذا يندمج الإحساس بالعزلة مع العجز، فينتج عنه أنين حنين متواصل يهيمن على القصيدة.
نار الشوق
5- الشوق ألم يعمقه الفقد. هل تجد في القصيدة ما يعزز هذا الرأي؟ علل جوابك.
نعم، يتأكد هذا الرأي في مواضع كثيرة من القصيدة؛ فالشاعر لا يشتاق إلى أمّ حية، بل إلى أم راحلة غابت عن الدنيا، وإلى وطن بعيد لا يستطيع الرجوع إليه. عبارات مثل: «أماه ليتك ترجعين شبحًا»، و«صرخات قلبي وهو يذبحه الحنين إلى العراق» تُظهر أن الفقد (موت الأم، غياب الوطن) هو الذي جعل الشوق يتحول إلى ألم شديد وجرح روحي عميق.
الطفل والأم
6- ما الذي يستعيده المتكلم بتذكّر أمه؟ وما هي الأساليب المعبرة عن حنينه إليها؟
يستعيد المتكلم دفء الطفولة، وأمان البيت، وحضور الأم الحنون التي تقود طفلها وتحميه من الضياع. يتذكر الصغار وهم ينتظرون عودته ويسألون عنه، ويتخيل أمه تبكي عليه وتخاف عليه من الطريق المجهول.
يعبر عن حنينه إليها عبر:
- النداء المباشر: «أماه»، «آه يا ولدي البعيد عن الديار».
- الاستفهام الحزين: «أين أنت؟ أتسمعين صرخات قلبي…؟».
- التمني: «ليتك لم تغيبي»، «ليتك ترجعين شبحًا».
- الصور المؤثرة التي تجعل الأم روحًا هائمة في الرياح تبحث عن ابنها الغريب.
التوظيف :
7- يبني الشاعر، في خطاب المتكلم إلى أمه، رمزًا شعريًا. بيّن ذلك.
الأم في القصيدة ليست شخصًا عاديًا فقط، بل هي رمز للحنان الأصلي وللوطن العراق معًا؛ فهي التي تحتضنه طفلاً، وهي التي يشتاق إليها من منفاه البعيد. حين يناجي أمه، فهو في العمق يناجي الأصل والجذور والأمان. وهكذا تتحول الأم إلى رمز شامل للحياة الأولى، والبيت، والطفولة، والوطن المفقود، وكل ما فقده الشاعر في غربته ومرضه.
التقويم :
8- إلى أي مدى أثرت معاناة الشاعر (المرض والبعد) في توجيه الشعر نحو غنائية خالصة؟
في هذه القصيدة نلمس أثر المرض والبعد بوضوح؛ فالشاعر يكتب من سرير الغربة وهو مهدد بالموت، بعيد عن أهله ووطنه. لذلك أصبح شعره غنائيًا ذاتيًا يبوح فيه بألمه الشخصي، ويكثر من ضمير «أنا»، ويستعمل نبرات النداء والشكوى، وصورًا حزينة مغرقة في الإحساس. هذه العناصر تجعل القصيدة مثالًا على الغنائية الخالصة التي تمزج بين الموسيقى الداخلية وصدق العاطفة.
9- هل تجد في نص «في الليل» المعاني نفسها التي تبينتها في القصيدة المقروءة؟ وضّح ذلك.
نعم، نص «في الليل» يشترك مع «الباب تقرعه الرياح» في معاني الوحدة والعزلة والخوف والحنين. في كلا النصين نجد:
- غرفة موصدة الباب → باب مغلق لا يطرقه إلاّ الريح.
- صمت عميق وليالٍ كابية → ظلمة وصحارى من ظلام وبحار من الفراق.
- غياب الأصدقاء والأهل → غياب الأم والوطن.
فكلتا القصيدتين تعبّران عن الشاعر المريض والمنفي، المحاصر بجدران الغرفة والليل، ولا يملك إلاّ أن يناجي ألمه وحنينه في غنائية حزينة متواصلة.
الاحتفاظ ب : غنائية الألم
تتميز قصائد السياب في مرحلته الأخيرة، ومنها «الباب تقرعه الرياح»، بـغنائية الألم؛ إذ تهيمن عليها مشاعر الحزن والحنين والقلق من الموت، وتظهر فيها بقوة مفردات الوحدة والليل والباب المغلق والريح والدموع، مع حضور الأم والوطن كملجأ روحي. هذه الغنائية الصادقة هي أبرز ما يمكن الاحتفاظ به لفهم تجربته الشعرية في زمن المرض والمنفى.
0 commentaires
Enregistrer un commentaire