شرح نص أهناك جريمة حقّا ؟
التقديم :
نص «أهناك جريمة حقّا؟» مقطع من مسرحية اجتماعية حديثة لتوفيق الحكيم، يناقش فيها مسألة الحرية والعبودية ومشروعية الحكم من خلال محاكمة يغلب عليها الحوار والتوتر الدرامي بين السلطان، الوزير، قاضي القضاة والمحكوم عليه.
الموضوع :
يتناول النصّ محاكمة رجلٍ يفضح ماضي السلطان كعبدٍ رقيق ويشكّك في أهليته لحكم شعب حرّ، فتتحوّل القضية من جرم لفظي بسيط إلى نقاش خطير حول شرعية السلطة وحدود الحرية السياسية.
التقسيم :
-
افتتاح المحاكمة وادعاء البراءة (من بداية الحوار إلى: «وقد فتحت لي طريق المستقبل...»)
- إحضار المحكوم عليه أمام السلطان وفك قيوده وبدء الاستجواب.
- تأكيد المتهم أنّه لم يرتكب جرماً، وإنما قال كلمة يراها بريئة.
-
كشف حقيقة بيع السلطان في صباه (من «أنت بعتني إلى السلطان الراحل...» إلى «وقد فتحت لي طريق المستقبل...»)
- اعتراف المتهم بأنّه هو الذي باع السلطان صغيراً إلى السلطان الراحل.
- إبراز ماضي السلطان كعبد رقيق وتحوّله إلى حاكم البلاد.
-
الجدال حول العبودية وشرعية الحكم والجريمة الحقيقية (من «لك ولي...» إلى نهاية النص)
- اختلاف السلطان والوزير حول خطورة الكلمة التي قيلت.
- انكشاف «الجريمة الحقيقية» في قول إن السلطان ما يزال عبداً لا يحق له حكم شعب حرّ.
الإجابة عن الأسئلة :
الفهم :
التلفظ
1- «… وأن العبد لا يجوز له أن يحكم شعبا حرّا…» من صاحب هذا القول؟ وهل من مؤشر يدلّ على أن المتلفّظ به يتبنّى محتواه؟
قائل العبارة هو الوزير، والمؤشّر على تبنّيه مضمونها أنّه يستعملها حُجّة لإثبات أنّ السلطان ما يزال في نظره عبداً، وبذلك يسعى إلى تجريم المتهم وإحراجه أمام السلطان.
الإشارات الركحية
2- صنّف الإشارات الركحية حسب وظيفتها، وما نصيب الإشارات المتعلّقة بوصف المجلس من التحديد والتدقيق؟
تنقسم الإشارات الركحية في النصّ إلى:
- إشارات وصفية: تضبط المكان والزمان وهيئة المجلس مثل ظهور السلطان في موكبه، جلوسه على مقعد أُعدّ له، جلوس القاضي، وقوف الوزير، فكّ القيود عن المتهم.
- إشارات توجيهية نفسية وحركية: توضّح نبرة الكلام وحالة الشخصيات مثل «صائحاً»، «ساخراً»، «يصدر السلطان إشارة»، «اقترب يا هذا».
ونصيب الإشارات المتعلّقة بوصف المجلس كبير ومفصَّل؛ فهي تُحدِّد بدقّة جوّ المحاكمة الرسمي وهيبة السلطان ورسم ترتيب الجالسين في القاعة.
المخاطبات
3- قارن بين ترابط مخاطبات المحكوم عليه والسلطان في بداية النص وترابطها في المقطع الثاني من حيث المبادر إلى الكلام، وهل لذلك من تأثير في تحديد شكل الترابط؟
في بداية النص يكون الحوار بين السلطان والمحكوم عليه متبادلاً نسبياً؛ المتهم يطلب العدل والسلطان يطمئنه ويأذن للقاضي بالمحاكمة، فيبدو الترابط قائماً على السؤال والجواب. أمّا في المقطع الثاني، بعد دخول الوزير على الخط، فإنّ السلطان والوزير يحتكران الكلام ويصبح المتهم في موقع الدفاع والردّ فقط، فيتحوّل الترابط من حوار هادئ إلى حوار متوتّر غير متكافئ يعكس اختلال موازين القوى.
4- بيّن دور المخاطبات في التعريف بالسلطان وبالمحكوم عليه.
تكشف المخاطبات أنّ المحكوم عليه رجل جريء صريح، يعتزّ بمهنته السابقة في بيع العبيد، ويحافظ على كرامته رغم وضعه، كما يبدو واثقاً من براءته ومتمسّكاً بالحقيقة. أمّا السلطان فيظهر أول الأمر متسامحاً يميل إلى العدل، ثمّ يتبيّن من خلال ردود فعله على حديث العبودية أنّه حساس تجاه ماضيه، ممزّق بين الاعتراف بالحقيقة والحفاظ على هيبة العرش. وهكذا تعرّفنا المخاطبات إلى الجانبين الإنساني والسياسي في شخصيتيهما.
الفعل الدرامي
5- ما هي القرائن الدّالة على خطورة موضوع المحاكمة؟ وما وجه الخطورة فيه؟
من القرائن الدالة على خطورة الموضوع:
- حضور السلطان بنفسه في الجلسة.
- تولّي قاضي القضاة المحاكمة في حضرة السلطان.
- إلحاح الوزير على فظاعة ما قيل وضرورة العقاب.
- كون التهمة تتعلّق بأصل السلطان وشرعية حكمه لا بجرم عادي.
وتكمن خطورة الموضوع في أنّه يمسّ مشروعَيّة العرش؛ فاتهام الحاكم بأنه «عبد» لا يحقّ له حكم شعب حرّ يهدّد أسس النظام السياسي برمّته.
6- بيّن كيف وصف كلّ طرف تهمة المحكوم عليه، وبم تبرّر امتناع المتّهم من إعادة ما قاله؟
السلطان يهوّن من الأمر ويرى أنّ القول إنه كان عبداً رقيقاً ليس فيه ما يشين، فكلّ السلاطين المماليك كانوا كذلك، فهو يميل إلى اعتبارها كلمة لا تستحقّ الموت. أمّا الوزير فيعدّها كلمة مروّعة أثيمة تسيء إلى هيبة السلطان وتشكّك في حقّه في الحكم، لذلك يلحّ على اعتبارها جريمة كبرى.
ويمتنع المتهم عن إعادة الكلمة لأنّه يدرك ما تجرّه من غضب وخطر عليه، ولأنّها تمسّ كرامة السلطان أمام الملأ، وإن كان مقتنعاً بصحتها.
7- ما هي الجريمة الحقيقية؟ وهل تتوقع أن تكون فعلاً كذلك؟
الجريمة الحقيقية في نظر الوزير أنّ المتهم يزعم أنّ السلطان ما يزال رقيقاً وأنّ «العبد لا يجوز له أن يحكم شعباً حرّاً». غير أنّ هذه «الجريمة» ليست فعلاً جرمية بالمعنى القانوني بقدر ما هي كشف لحقيقة محرجة تتعارض مع مصالح السلطة؛ فهي أقرب إلى رأي سياسيّ منها إلى جناية تستوجب الإعدام.
التوظيف :
المعروف عن الحكيم أنّه عمل في سلك القضاء عدّة سنوات، فهل تجد في هذا النص ما يتناسب مع ذلك؟
نعم، يتجلّى أثر خبرة توفيق الحكيم في القضاء من خلال:
- تنظيم مشهد المحاكمة على نحو يشبه الجلسات الحقيقية: متهم، قاضٍ، سلطان، وزير.
- استعمال مصطلحات قضائية مثل: «المحاكمة العادلة»، «المحكوم عليه»، «الاتهام المنسوب إليك».
- بناء الحوار على شكل استجواب، واستنطاق الشهود، والاعتماد على الأدلّة والقرائن.
كلّ ذلك يبيّن أنّ المؤلف استثمر خبرته القضائية في صياغة نصّ مسرحيّ دقيق وواقعي.
التقويم :
* وردت في النص عبارة «العبد لا يجوز له أن يحكم شعباً حرّاً» وهي حجّة تلزم السلطان ببناء نتيجة محدّدة. أجرِ تحويرات متتالية على العبارة حتى يُفهم منها:
- أنّك صاحب الفكرة: «أرى أنّ العبد لا يجوز أن يحكم شعباً حرّاً.»
- أنّ الفكرة ليست لك غير أنّك توافق عليها وتتبنّاها: «قد لا تكون هذه العبارة من وضعي، لكنّي أوافق على أنّ العبد لا يحقّ له أن يحكم الأحرار.»
- أنّك لست موافقاً على الفكرة، وتتساءل عن مدى وجاهتها: «يقال إنّ العبد لا يجوز أن يحكم شعباً حرّاً، لكنّني أتساءل: أليست العبرة بعدل الحاكم لا بأصله؟»
- أنّك كنت توافق على الفكرة ولكنّك الآن ترفضها: «كنت أظنّ أنّ العبد لا يليق به أن يحكم شعباً حرّاً، غير أنّني أدركت الآن أنّ الحرية والعدالة قد تتحقّقان على يد من كان عبداً بالأمس.»
* واصل المؤلف استعمال «المحكوم عليه» ولم يعوّضها بـ«النحاس» أو بـ«المتهم» وهو ما يناسب وضعه الحقيقي في المحاكمة، بم تعلل ذلك؟
إصرار المؤلف على استعمال لقب «المحكوم عليه» بدل الاسم أو صفة «المتهم» يُبرز أنّ الرجل محكوم سلفاً قبل المحاكمة، فيوحي بظلم القضاء وتبعيّته للسياسة، كما يجعل الشخصية رمزاً عاماً لكلّ إنسان مظلوم لا مجرّد شخص اسمه «النحاس»، فيتجاوز النصّ حدود الواقعة الفردية إلى دلالة إنسانية وسياسية أوسع.
الاحتفاظ ب : المخاطبات والإشارات الركحية
يُظهر هذا النص المسرحي كيف تسهم ترابط المخاطبات بين السلطان، الوزير، القاضي والمحكوم عليه في إبراز الصراع على السلطة، كما تبيّن الإشارات الركحية جوّ المحاكمة وهيبة المجلس وتساعد القارئ أو المخرج على تخيّل الحركة فوق الركح وبناء رؤية إخراجية واضحة.
التوظيف :
يكشف النص عن قدرة المسرح على مناقشة قضايا سياسية وفكرية حسّاسة مثل الحرية والعبودية ومشروعية الحكم، وذلك في قالب محاكمة درامية مشوّقة تُشرك المتلقي في التساؤل: «أهناك جريمة حقّاً؟ أم هناك حقيقة محرجة تريد السلطة إخفاءها؟»

0 commentaires
Enregistrer un commentaire