شرح نص لوجه الفن
التقديم :
النصّ حوار مسرحي مقتطف من الفصل الثالث من مسرحية «الغانية والموت» لعزّ الدين المدني، يدور بين السلطان والغانية في ليلة واحدة، ويجمع بين أبعاد فكرية وجمالية تقوم على الفرجة والحكي والرمز.
الموضوع :
يتناول النصّ حوارًا بين السلطان والغانية يكشف علاقة الفنّ بالحرية وانقلاب الأدوار بين السلطة والمرأة الفنانة.
التقسيم :
-
افتتاح الحوار وتبادل الأدوار (من «سأفعل كلّ ما تطلبينه…» إلى «وأنا إذن شهريار الهائل المخيف…»)
- دعوة الغانية إلى الحديث والطعام والغناء.
- استحضار رمزي لشهريار وشهرزاد وانقلاب الأدوار بينهما.
-
مشهد الموسيقى والرقص (من «كل شيء اليوم يسير مقلوبًا…» إلى نهاية الرقص)
- التصفيق وصعود الموسيقى من وراء الأستار.
- رقص الغانية بنفسها إكرامًا للسلطان وحده.
-
كشف شخصية الغانية وحبّها للفنّ والحرية (من «من أجل زبائنك…» إلى نهاية النصّ)
- تفسير ثرائها ونظرة الناس السيئة إليها.
- إعلانها حبّ الفنّ وحرصها على الحرية وصحبة الرجال من أجل أرواحهم لا أجسادهم.
الإجابة عن الأسئلة :
الفهم :
التلفّظ واستعمال الزمن
1- ارصد في النص المواطن التي استخدم فيها ظرف الزمان «الآن». بم تفسر تواتر استخدام هذا الظرف في المشهد؟
يَرِد ظرف «الآن» في قول السلطان مثلًا: «أنا الآن الذي يحكي القصص…»، ويتكرّر الحديث عن الزمن الحاضر بعبارات قريبة كقوله «كلّ شيء اليوم يسير مقلوبًا معكوسًا». يتواتر استخدام هذا الظرف للتأكيد على لحظة التحوّل التي يعيشها السلطان في الحاضر، حيث انقلب وضعه المعتاد وصار هو الذي يُحكى عنه، ولإبراز المفارقة بين ماضي السلطة وحاضر القلق والاضطراب.
فهم الشخصية ورمزيتها
2- في النص ما يؤكد أن الشخصية تريد أحيانًا بقولها عكس ما تصرّح به. فعلام تستند الشخصية المخاطبة في فهم مثل هذا القول؟
تلجأ الغانية إلى السخرية والتلميح فتقول مثلًا: «وأنا إذن شهريار الهائل المخيف…» وهي تدرك أنّها ليست في موضع قوّة حقيقي، فيفهم السلطان والجمهور أنّها تمزح وتعكس المعنى. يعتمد فهم هذا الكلام على قرائن الحال مثل سياق الموقف، ونبرة الصوت، والضحك، ومعرفة الطرف الآخر بطبيعة العلاقة بينهما.
3- أيّ دلالة تكتسبها شخصيتا السلطان والغانية باستحضار شخصيتي شهريار وشهرزاد؟
استحضار شهريار وشهرزاد يمنح الشخصيتين بُعدًا رمزيًّا؛ فالسلطان يشبه شهريار القلِق المضطرب، والغانية تشبه شهرزاد التي تملك سلاح الحكي والفنّ. غير أنّ الأدوار تنقلب؛ فالمفترض أن يكون السلطان هو شهريار الآمر الناهي، لكنّ الغانية تتحوّل إلى شهرزاد القابضة على رقبته بحديثها وفنّها، فيرمز ذلك إلى قوّة الكلمة والفنّ أمام سلطة السيف.
4- ما هي غاية الغانية من دعوة السلطان إلى أن يحكي لها قصته؟ وقصة من حُكيت في النص؟
غاية الغانية من هذه الدعوة أن تستدرج السلطان للكلام عن نفسه كي يفرّغ قلقه ويكشف أزماته الداخلية؛ فهي تريد أن تعالجه بالحكي مثل شهرزاد. والقصة التي تُروى في النصّ هي في الجوهر قصة السلطان نفسه بما تحمله من شكّ واضطراب وخوف من المصير.
نماء الحوار وبناء الشخصية
5- استخرج من أقوال الغانية ما يدل على رغبتها في تمديد المحادثة مع السلطان. وهل شاركها السلطان تلك الرغبة؟ أدعم إجابتك.
من أقوال الغانية الدالّة على رغبتها في إطالة الحديث: «فلنبدأ إذن الحديث…»، «حدّثني…»، «نعم، عن قصّتك… احكِ لي قصّتك». هذه العبارات تُظهر شغفها بالحوار وحرصها على إبقاء السلطان في مجلسها أطول وقت. أمّا السلطان فقد بدا متردّدًا في البداية ثمّ استجاب لها عندما قال: «أنا الآن الذي يحكي القصص»، ممّا يدلّ على أنّه شاركها الرغبة جزئيّا بحثًا عن التسلية والتخفيف من قلقه.
6- يجمع الحوار معطيات عن شخصية الغانية. قارن بين صورتها عن نفسها وصورة الناس عنها.
ترى الغانية نفسها امرأة حرّة عاشقة للفنّ، تنفق على الليالي من مالها، وتبحث عن صحبة الرجال «من أجل أرواحهم لا من أجل أجسادهم». أمّا في أعين الناس فهي «امرأة سيّئة السيرة» كما تقول، وقد استسلمت لحكمهم واعتبرته سبيلًا إلى حريّتها. وهكذا يتكوّن تعارض بين صورتها الداخلية النبيلة وصورتها الاجتماعية الملوّثة بالأحكام المسبقة.
عناصر الفرجة والفائدة
8- تنوّعت في هذا النصّ وسائل التعبير المسرحي. ادرس علاقتها بالحدث وإطاره.
من وسائل التعبير المسرحي في النصّ: الحوار المتوتّر بين السلطان والغانية، الإرشادات الركحية مثل (تصفّق…) و(تنهض وترقص…) و(بعد أن أصغى)، إضافة إلى الموسيقى والرقص والضوء. هذه العناصر تجعل المشهد حيًّا نابضًا، وتُبرِز أنّ الفنّ نفسه جزء من الحدث، لأنّ الغانية تستعمل الغناء والرقص لتطبيب قلق السلطان ولإثبات أنّ الفنّ رسالة وليست مجرّد ترف.
9- عدّد وجوه الفائدة التي يمكن للمتلقّي تحصيلها من هذا المشهد.
يستفيد المتلقّي من المشهد:
– التعرّف إلى قيمة الفنّ في تهدئة الإنسان ومساعدته على مواجهة قلقه.
– اكتساب نظرة نقدية إلى الأحكام الجاهزة التي تُلصق بالمرأة وبالفنانة خاصةً.
– إدراك كيف يمكن للمسرح أن يجمع بين اللذّة الجمالية والفكرة الفكرية، فيقدّم المتعة والوعي في آن واحد.
– الوقوف على تقنيات المسرح من حوار وإرشادات وفرجة، ممّا ينمّي الذوق الفني لدى المتلقي.
التوظيف :
6- «إن حقيقة لا يصدّقها الناس هي حقيقة لا نفع فيها». هل توافق على هذا الرأي؟ علّل.
أوافق على الرأي جزئيًّا؛ فالحقيقة من حيث هي حقيقة لا تتغيّر بتصديق الناس أو تكذيبهم، لكنّ نفعها العملي يتوقّف على وعيهم بها. فإذا رفض الناس تصديق الحقيقة، ظلّت صحيحة في ذاتها، غير أنّها تفقد قدرتها على التأثير في الواقع وتغيير السلوك. لذلك يمكن القول إنّ الحقيقة تحتاج إلى من يؤمن بها ليظهر نفعها في المجتمع.
7- غيّر قول السلطان: «سأفعل كلّ ما تطلبينه حتى مطلع الفجر!..» حتى يصبح مقدّمة لحوار حِجَاجي أو سجالي.
يمكن أن يصبح القول هكذا:
«سأفعل كلّ ما تطلبينه حتى مطلع الفجر، لكنّني لن أقدّم لك شيئًا قبل أن تقنعيني بأنّ ما تسمّينه فنًّا ليس لهوًا عابثًا بل رسالة ذات قيمة».
بهذا التحوير يمهّد القول لحوار سجالي بين السلطان والغانية حول حقيقة الفنّ ومعناه.
التقويم :
* يرى البعض أن مشهد الغناء والرقص دخيل في هذا النصّ والمسرحية عمومًا. ما رأيك؟ لماذا؟
في نظري هذا المشهد ليس دخيلاً، بل هو جوهر المسرحية؛ لأنّ موضوع النصّ هو الفنّ نفسه. فالغناء والرقص هنا لا يُستخدمان للتزيين فحسب، بل يكشفان عن موقف الغانية من الفنّ وعن تأثيره في نفس السلطان، ويحوّلان المسرح إلى فضاء للفرجة والمتعة والجمال. لذلك يسهم المشهد في بناء الشخصيات وتوضيح الفكرة ولا يمكن الاستغناء عنه.
الاحتفاظ ب : التراث والفنون
يستلهم هذا النصّ وغيره من الأعمال المسرحية الحديثة التراث الحكائي مثل قصص «ألف ليلة وليلة»، فيستحضر شخصيتي شهريار وشهرزاد في إطار جديد يطرح قضايا معاصرة كالفنّ والحرية. كما يبرز فيه الاهتمام بالفنون من موسيقى ورقص وتمثيل، إذ تتضافر هذه الفنون على الركح لإحداث الفرجة وإيصال الفكرة، ممّا يجعل المسرح فضاءً يجمع بين الأصالة التراثية والتجريب الفني الحديث.

0 commentaires
Enregistrer un commentaire