شرح نص منطق الطير – الجاحظ
التقديم :
نصّ من كتاب «الحيوان» للجاحظ، وهو نصّ حجاجي فكري يندرج ضمن المنزع العقلي في الأدب العربي القديم، يعالج فيه الكاتب مفهوم المنطق والبيان عند الكائنات الحية، مبيّنًا منزلة اللغة في حياة الإنسان وسائر المخلوقات.
الموضوع :
يبرهن الجاحظ في هذا النص أنّ للطير وسائر الكائنات منطقًا وبيانًا خاصًّا بها، وأنّ اللغة وظيفة للتفاهم وقضاء الحاجات وليست حكرًا على الإنسان.
التقسيم :
-
منطق الكائنات وارتباطه بالحاجة (من بداية النص إلى «وكذلك أصواتك المؤلفة هي نهاية حاجاتك»): يثبت أن لكل جنس أصواتًا منظَّمة تكفي لحاجاته.
-
التشبيه بين منطق الطير ومنطق الإنسان (من «وعلى أنك قد تعلم الطير الأصوات…» إلى «على التشبيه بالناس»): يبيّن إمكان تعليم المنطق للطير والإنسان معًا.
-
الاستشهاد بالنصوص الدينية (من «وقد قال الله عز وجل…» إلى آخر النص): يسوق الآيات والأخبار لتأكيد وجود منطق للطير ولسائر الكائنات.
الإجابة عن الأسئلة :
الفهم والتحليل :
1- الأطروحة التي يردّ عليها الجاحظ هي إنكار كون أصوات الطير والبهائم منطقًا وبيانًا، أمّا أطروحته المضادّة فهي أنّ لكلّ كائن حيّ منطقًا يفهم به حاجاته. يسير الحجاج من عرض قول الخصم، ثمّ الردّ بحجج عقلية ولغوية ودينية، لينتهي إلى نتيجة خلاصتها أنّ أصوات الطير والبهائم بيانٌ حقيقي يؤدي وظيفة الكلام عند الإنسان.
2- نمط الجوار سجالي؛ فالنصّ قائم على محاورة ضمنية بين «قائل» و«مجيب» يتجلّى فيها استعمال ضمائر المخاطب، وصيغ الشرط والاستفهام والتفنيد من قبيل: «فإن قال قائل… قيل له…»، ممّا يكشف علاقة جدل وإقناع بين المتحاورين لا علاقة تعليم مباشر.
3- المقارنة بين منطق الإنسان ومنطق الطير تساعد على دحض قول الخصم؛ إذ يبيّن الجاحظ أنّ الإنسان نفسه لا يفهم لغات الأمم الأخرى ومع ذلك يعترف بأنها منطقها، وبالقياس على ذلك تكون أصوات الطير منطقًا أيضًا، فيسقط اعتراض المعارض.
4- فقرة «وقيل لرجل من الحكماء…» مثال يوضّح أنّ العقل والبيان مرتبطان بمقادير الحاجة منذ الطفولة؛ فالطفل يبكي للجوع ويسكت عند الشبع، وهي أبسط درجات الفهم والإفهام. هذا المثال يقرّب فكرة النصّ من تجربة الإنسان اليومية ويقوّي حجة الكاتب في أن الكائن لا يحتاج من المنطق إلا ما يلبّي حاجاته.
5- اعتمد الجاحظ حججًا نقليّة كآية «يا أيها الناس عُلّمْنا منطق الطير» وخبر تعليم إسماعيل العربية، وحججًا لغوية تتمثل في إطلاق العرب والمنقول عنهم لكلمة «المنطق» على أصوات الطير، وحججًا عقلية واقعية تقوم على ملاحظة تفاهم الطير بأصوات مقطّعة مؤلّفة، وعلى القياس بين لغات الأمم ومنطق الطير.
6- لا يرى الجاحظ اختلافًا جوهريًّا بين منطق الطير ومنطق الإنسان، بل اختلافًا في الدرجة فحسب؛ إذ لكلّ جنس مقدار من البيان يناسب حاجته، كما أنّ للإنسان قدرًا من المنطق يفي بحاجاته في التفاهم.
7- وظيفة اللغة عند الجاحظ هي الفهم والإفهام وقضاء الحاجات، فهي رابطة بين الأحياء ووسيلة للتواصل والتعبير عن «حقائق الحاجات» لا مجرّد وسيلة للتزيين أو التفاصح.
8- نعم، في النصّ صدى لمبدأ المعتزلة القائل بخلق القرآن؛ فالجاحظ يربط البيان والحروف والأصوات بالحاجة والمصلحة، ويعدّها أصواتًا مؤلَّفة حادثة تُكتسب بالتعليم، وفي ذلك إشارة إلى أن الكلام الإلهي نفسه يمكن أن يُفهَم في إطار الحدوث والخلق لا في إطار القدم الذاتي.

0 commentaires
Enregistrer un commentaire