dimanche 14 décembre 2025

إنتاج كتابي زرت معرض الكتاب وانغمست في الكتب فجأة - رابعة وخامسة ابتدائي

إنتاج كتابي زرت معرض الكتاب وانغمست في الكتب فجأة - رابعة وخامسة ابتدائي

ما زلتُ إلى اليوم أذكرُ بكلّ وضوح ذلك اليوم الذي لن يُمحى من ذاكرتي، يومَ زرتُ معرض الكتاب صحبة أخي الصغير، فانغمستُ بين رفوفه الواسعة وكتبه الساحرة… فضاع أخي، وضاع معه قلبي.

المقدمة

كان ذلك صباحًا ربيعيًا جميلاً، وقد قررتُ أن أصطحب أخي الصغير إلى معرض الكتاب حتى أعرّفه على عالمي المفضل، عالم الكتب. كنتُ أظن أن الزيارة ستكون ممتعة، وأنني سأغرس فيه حبّ القراءة، لكن القدر خبّأ لي لحظات لن أنساها ما حييت.

الجوهر

دخلنا المعرض، فإذا بأجنحته الفسيحة تمتد أمامي كبحر لا نهاية له. من ركن إلى آخر كنت أتنقّل وكأنني أطير بين عوالم لا تُحصى، فهنا كتب قصصية، وهناك كتب علمية، وبينهما مجلات وصور ولوحات.

ولأنني من عشّاق الكتب، فقد أسرني كتاب ضخم ذو غلاف لافت. فتحته وبدأت أتصفّح صفحاته، أتأمل الصور وأقرأ العناوين… وانغمستُ فيه انغماسًا جعلني أنسى أن خلفي أمانة صغيرة اسمها "أخي".

رفعتُ رأسي بعد دقائق، فإذا بالفراغ يحيط بي، أخي لم يعد بجانبي!
نظرت يمينًا وشمالاً، تقدّمت خطوة، ثم تراجعت… لا أثر له. شعرتُ أنّ الأرض تميد تحت قدمي، وكيف لي أن أراه وسط تلك الجموع الغفيرة التي تعجّ بالزائرين؟

دقّ قلبي بعنف، وتسارعت أنفاسي، وشعرتُ أنّ الزمن قد توقف. أخذت أجري بين الممرات، أستوقف هذا وذاك، ولكن دون جدوى. كنت كمن يبحث عن إبرة في كومة قش.
صحتُ بأعلى صوتي:
"سامي! يا سامي! أين أنت؟"
لكن النداء كان يضيع بين الضجيج.

بدأ الخوف ينهش قلبي، وراودتني أفكار سوداء، وشعرتُ أن وخز الضمير سيبقيني أسيرة مدى العمر. كيف سأواجه والديّ؟ وكيف سأبرّر ضياع أخي؟ كنتُ أكرر:
"أنا السبب… أنا السبب…"
وجلستُ منهارةً على الأرض، والعرق يتصبب من جبيني، وجسدي يرتعش كغصن في مهبّ الريح.

وفجأة، تقدّم مني رجل وقور، وضع يده على كتفي وقال بلطف:
"لا تجزعي يا ابنتي… سيعود أخوكِ سالمًا بإذن الله. توجّهي إلى لجنة الإرشادات."

تمسّكت بالأمل، وانطلقت مسرعة نحو مكتب الإرشاد. قدّمت أوصاف أخي كاملة، وما هي إلا لحظات حتى دوّى في مكبّر الصوت إعلانٌ يقول:

"من وجد طفلاً صغيرًا يرتدي بدلة زرقاء، شعره أشقر وعيناه زرقاوان، فليتوجّه إلى شباك الإرشادات."

ظلّ الإعلان يُعاد بالعربية والفرنسية ثم الإنجليزية… وقلبي يخفق بقوة. وبعد دقائق بدت لي كالساعات، رأيتُ امرأة فاضلة تمسك بيد أخي وتتقدّم نحونا. كان المشهد كفتح باب النور في عتمة الليل.

ركضتُ إليه، احتضنته بشدة، وتأكدت من أنّه بخير.
دمعت عيناي وقلت:
"الحمد لله… الحمد لله."

شكرتُ تلك السيدة كثيرًا، ثم غادرنا المعرض وقد تعلّمت درسًا لن أنساه:
لا يمكن الجمع بين عشق الكتب… ورعاية طفل صغير في آن واحد.

الخاتمة

عدتُ إلى البيت وأنا منهكة، لكن قلبي مليء بالامتنان. لقد أدركتُ أنّ لحظة واحدة من الغفلة قد تتحوّل إلى كارثة، وأن المحافظة على من نحب هي أعظم واجب. ورغم الخوف الذي عشته، يبقى ذلك اليوم محفورًا في ذاكرتي، يومًا علّمني المسؤولية… وعلّمني أن أخي أغلى عليّ من كل كتب العالم.

0 commentaires

Enregistrer un commentaire