المرأة في الغزل العمري الحضري
تبدو المرأة العربية في العصر الذي عاش فيه عمر بن أبي ربيعة امرأة حضرية مكتملة الوعي، قد تيسّرت لها من وسائل الزينة والرفاه ما لم يكن متاحًا للمرأة في الجاهلية. وإذا تأملنا مظاهر الحياة المدنية آنذاك، رأينا كيف انعكست في أشعار عمر بن أبي ربيعة و أرکان مدرسته مثل الأحوص والعرجِي من خلال وصف الملابس الأنيقة، والعطور، وألوان الزينة التي كانت تلازم المرأة الحضرية.فالمرأة في شعر الغزل الحضري الأموي تبدو مرفهة مدللة، تحيط بها الجواري يسلينها ويقمن على خدمتها، ويُقدّمن لها ضروب اللهو والتسلية التي تقطع بها وقتها في سعة ونعيم. وفي ظل هذا المجتمع المتطور، اتسعت مساحة الحرية التي حظيت بها النساء، فكثر الاختلاط بينهن وبين الرجال، مما دفع الشعراء إلى تصوير هذه التجربة الجديدة التي كانت إحدى ثمار المدنية. ولم يعرف الأدب العربي قبل ذلك شاعرًا يقف هذا الموقف الفريد، فيتحدث بلسان النساء ويبوح بما يختلج في قلوبهن من مشاعر الغيرة والحب، وما يدور في نفوسهن من خلجات أنثوية صادقة.
وكان عمر بن أبي ربيعة يومئذ أشهر فتيان الحجاز ظرفًا ورقّة وميلاً إلى الغزل. وقد صاغته تلك البيئة الحضرية صياغة مميزة جعلته قريبًا من قلوب النساء، حتى خُيِّل للناس أنه محبوبهن الأول. وكان في مواسم الحج يظهر في أبهى حلله، يلبس الوشي ويركب النجائب المزدانة بالحناء والمطرّزة بالديباج، يخرج لملاقاة القادمات من العراق والمدينة، طلبًا للغزل واستجابةً لنزعاته الفنية.
أما صورة المرأة في شعر الاتجاه الحسّي، وخاصة لدى عمر بن أبي ربيعة، فهي غالبًا شخصية ثانوية بالنسبة للرجل؛ فهي مصدر للمتعة الجمالية، مسلوبة الإرادة أمام محبوبها الذي يبدو دائمًا مسيطرًا على عاطفتها. وهي التي تبادر بالشكوى، وتغرق في العذاب، وتلجأ إلى الاستعطاف، بينما يظل الشاعر متمكنًا، واثق النفس، يروي تجربته من موقع القوة لا الضعف.

0 commentaires
Enregistrer un commentaire