شرح نص إلى مغرب الشمس
التقديم :
نص سردي حديث مقتطف من رواية «حدث أبو هريرة قال» لمحمود المسعدي، يندرج ضمن السرد الوجودي الذي يعالج قلق الإنسان وحيرته في بحثه عن اليقين، من خلال شخصية أبي هريرة وصاحبه أبي المدائن في لحظة استعداد للرحيل نحو «مغرب الشمس».
الموضوع :
يصوّر النص لقاء أبي هريرة بصاحبه ثمّ خروجهما في رحلة رمزية نحو مغرب الشمس إيذانًا ببلوغ أبي هريرة الرشد وانفراج أزمته الوجودية.
التقسيم :
-
من بداية النص إلى «ثم قمت فسلمت وعاد إلى أوراقه…» : اللقاء الأوّل، حديث الأوراق وعنق الزمان وتحديد موعد الغد قبل الغروب.
-
البقية إلى آخر النص : مشهد الغد، ركوب الفرسين والرحلة نحو مغرب الشمس والحوار حول الدنيا والمال والرشد.
الإجابة عن الأسئلة :
أوّلا : الفهم والتحليل
1- يتوزّع زمن الأحداث إلى مرحلتين: يوم الدعوة واللقاء الأوّل في البيت حيث الأوراق وحديث الزمان، ثمّ الغد قبيل الغروب حيث تتهيّأ الرحلة نحو مغرب الشمس وتتمّ المواجهة الأخيرة مع الدنيا والقدر.
2- أقوال بشّار وبروميثيوس وبوييـر تدور حول الحيرة الوجودية وتمرّد العقل وضرورة الارتقاء درجات قبل بلوغ الذروة؛ وهي نفس قضية أبي هريرة في النص، فيتجلّى انسجام التصدير مع مضمونه، كما أنّ الجمع بين القديم والحديث يؤكّد وحدة السؤال الإنساني عبر العصور واتّساع أفق المسعدي الثقافي.
3- في هذا المقطع تبدو علاقة أبي المدائن بأبي هريرة علاقة صداقة وثقة قَلِقة؛ يسرع الراوي إلى تلبية الدعوة ويصبر على غرابة كلام صاحبه. وفي بقية الرواية يتحوّل أكثر إلى تلميذ/شاهِد يدوّن تجربة أبي هريرة الوجودية ويرافقه في مسار الكشف والبعث الآخر.
4- الحوار كثيف قائم على السؤال والجواب، سريع الإيقاع، مشحون بالرموز والاستفهامات. وظيفته تحريك السرد بدل الحكي التقريري، كشفُ نفسية الشخصيّات وأزمتها الفكرية، وبناءُ التشويق بين موعد اليوم وموعد الغد عند الغروب.
5- القلم والقرطاس يرمزان إلى البحث الفكري ومحاولة القبض على الزمن بالكتابة، الغروب/مغرب الشمس نهاية مرحلة من الحياة وبداية كشف أو بعث جديد، الضيعة ثمرة جديدة ورمز لتنظيم الحياة بعد الفوضى، والرشد بلوغ النضج بعد تجربة طويلة. مسيرة أبي هريرة تتدرّج من الضياع إلى الحكمة، ومن القلق إلى الاطمئنان.
6- حالة أبي هريرة وهو يستعدّ للرحيل تتّسم بالسكينة والابتسام وحسن التدبير (شراء الضيعة، كتابتها لصاحبه، الاعتراف بذهاب الأربعين)، ممّا يدلّ على انفراج أزمته الفكرية وحدوث مصالحة مع ذاته ومع الدنيا.
7- النص يلمّح بقوّة إلى النهاية: اختيار الغروب موعدًا، تشبيه الشمس «بالدم المهراق»، حديثه عن «ذهاب الأربعين» و«آن الرشد»، ترتيبه لأملاكه كمن يكتب وصيّته، وسكونه غير المعهود؛ كلّها علامات على اقتراب ختام رحلته أو بداية «بعثه الآخر».
ثانيا : النقاش
1- اكتفى المسعدي بجزء من بيت بشّار «إن دائي الصدى» لأنّه يوجز حالة العطش الروحي والحيرة التي يعيشها أبو هريرة، فيغدو الشطر شعارًا لأزمته الوجودية دون حاجة إلى بقيّة البيت.
2- يشبه هذا النصّ بداية «حديث البعث الأوّل» من حيث الحيرة أمام الوجود، البنية الحواريّة، الرموز الكثيفة، والسعي إلى الحقيقة؛ والسبب أنّ العملين يندرجان في مشروع واحد هو مساءلة معنى الحياة والبعث عند الإنسان المعاصر.
3- أبو المدائن يمثّل العقل الهادئ الملاحظ، وأبو هريرة يمثّل الإنسان القَلِق الباحث عن اليقين؛ وكلّ قارئ قد يجد نفسه أقرب إلى أحدهما أو يحمل من صفات الاثنين معًا: وعي الراوي من جهة، وقلق أبي هريرة من جهة أخرى.
الاحتفاظ ب : البعد الوجودي والرمزي
يقدّم المسعدي من خلال هذا المقطع نموذجًا للرواية العربية ذات البعد الوجودي، حيث يتجاوز السرد الواقعي إلى توظيف الرمز (الغروب، مغرب الشمس، الرشد) للتعبير عن أزمة الإنسان المعاصر ورحلته من الضياع إلى الحكمة.

0 commentaires
Enregistrer un commentaire