vendredi 5 décembre 2025

الجوانب المضمونية في الحكاية المثليّة – "كليلة ودمنة"

الجوانب المضمونية في الحكاية المثليّة – "كليلة ودمنة"

يُعد كتاب "كليلة ودمنة" لابن المقفّع نموذجًا فريدًا للحكاية المثليّة، إذ لم يكن هدفه مجرد التسلية، بل تقديم نقد اجتماعي وسياسي وقضائي وإرساء قيم سامية من خلال حكايات رمزية تُروى على ألسنة الحيوانات. ويعكس الكتاب الصراعات والأزمات التي سادت المجتمع العربي في عصره، ويقدّم رؤية نقدية للتفاعلات بين الأفراد والسلطة والقضاء، إضافة إلى ترسيخ مبادئ أخلاقية وسياسية.

1- فضح الفساد الاجتماعي والسياسي والقضائي

أ- الجوانب الاجتماعية

تقدّم الحكايات صورة مشتبكة للمجتمع تحت غطاء حيواني، حيث يسود الانحطاط الأخلاقي والتصدع الاجتماعي:

تدهور القيم الأخلاقية: تنتشر الغيرة والحسد، والأنانية، والكذب، والغدر، والوشاية بين أفراد الحاشية.
توتر العلاقات الاجتماعية: الصراعات المتكررة والدسائس المستمرة بين الشخصيات تشير إلى عدم استقرار الروابط الاجتماعية داخل المجتمع.
إظهار الفساد في الطبقات المختلفة: كل شخصية حيوانية تمثل قيمة اجتماعية أو صفة سلبية، ما يجعل القارئ يدرك عمق الانحلال الأخلاقي.

ب- الجوانب السياسية

تكشف الحكايات عن الفساد السياسي من خلال التنافس على المناصب والمكائد بين الحاشية والحكام:

كثرة المناصب والدسائس: يظهر ذلك في صراع دمنة وشتربة، حيث يسعى دمنة لإسقاط شتربة بالحيلة والمكر للحصول على موقع أعلى.
التلاعب بالسلطة: استغلال دمنة للسلطة لتحقيق أهداف شخصية بوسائل غير مشروعة.
تدخل العائلة الحاكمة في الحكم: أم الملك تحشّر نفسها في مسائل قضائية وسياسية، مما يعكس ضعف النظام وغياب فصل السلطات.
التداخل بين السلطات الثلاث: الملك (السلطة التنفيذية) يتدخل في عمل القاضي (السلطة القضائية) أثناء محاكمة دمنة، ما يعكس فساد النظام الإداري.
غياب المؤسسات الرسمية: عدم حضور مجلس الشورى وانعدام مرافق الدولة يوضح هشاشة السلطة التنظيمية.
صورة الملك: يظهر أحيانًا ظالمًا ومتخاذلًا، وغير قادر على ضبط الفساد المستشري في المجتمع.

ج- الجوانب القضائية

الحكاية توضح الفساد داخل النظام القضائي:

التسرع في توجيه التهم: الحكم على دمنة قبل إثبات إدانته لمجرد أوهام أم الملك.
عدم التحري في اختيار الشهود: بعض الشهود، مثل الخترير، يشهد زورًا لمصالح شخصية، ما يؤثر على سير العدالة.
غياب استقلال القضاء: القضاة يخضعون لتأثيرات السلطة التنفيذية ولأهواء العائلة الحاكمة.
محاكمة غير عادلة: المجلس القضائي يعقد جلسة ناقصة، بدون حضور الشهود أو الدفاع عن المتهم، فتُحكم على دمنة مسبقًا.

2- تأسيس قيم سامية من خلال الحكاية

أ- القيم الاجتماعية

الحكايات لا تكتفي بكشف الفساد، بل تعلّم القارئ قيمًا إيجابية:

التعاون: مثل حكاية الحمامة المطوّقة، التي تُظهر أن التعاون بين الأفراد من مختلف الفئات يؤدي إلى نجاح المهمة وحماية المصلحة العامة.
التضحية والإيثار: الحمامة تؤثر صديقاتها على نفسها، لتعليم نبذ الأنانية.
استعمال العقل والحكمة: التفكير العقلاني يُبرز العلاقات المثالية ويقي من الانزلاق إلى القيم السلبية مثل الأنانية والعاطفة الجامحة.

ب- القيم السياسية

العدل: يُبرز الكتاب ضرورة أن يكون الحاكم عادلًا، يضمن حقوق الناس ويساعد المظلومين.
عدم التدخل في القضاء: ترك القضاة يعملون بحرية يحقق العدالة ويمنع الفساد.
حماية استقلال الحكم: تحذير من تدخل العائلة الحاكمة في شؤون الحكم لضمان نزاهة القرارات.

الخاتمة

إن كتاب "كليلة ودمنة" يمثل مرآة للمجتمع، يعكس الفساد الاجتماعي والسياسي والقضائي، وفي الوقت نفسه يرسخ القيم الأخلاقية والسياسية والمعرفية. فالقصص المثليّة ليست مجرد حكايات مسلّية، بل أدوات تعليمية وتربوية، تهدف إلى توعية القارئ بخطر الفساد، وأهمية العدالة، والحكمة، والعمل الجماعي. بهذا، يصبح الكتاب مرجعًا لفهم المجتمع البشري، وتحليل السلطة، وتعليم المبادئ العليا للحياة الإنسانية.

0 commentaires

Enregistrer un commentaire