مقال أدبي مرفق بالإصلاح حول شعر عمر بن أبي ربيعة - أولى ثانوي
الموضوع :
«تَتَجَلّى في الغَزَلِ الحَضَرِيّ فَرْحَةُ الحُبّ بِفَضْلِ الحَبِيبَةِ الجَرِيئَةِ وَالمُجْتَمَعِ المُنْفَتِحِ وَالعَاشِقِ الظَّرِيفِ، لَكِنَّهُ لَمْ يَخْلُ مِن بَعْضِ مَظَاهِرِ الحُزْنِ وَالحِرْمَانِ وَالشَّكْوَى.»
حلِّل هذا القول اعتمادًا على ما درستَ من أشعار زعيم الإباحيين: عمر بن أبي ربيعة.
(نقطة على وضوح الخط ونظافة الورقة)
حلِّل هذا القول اعتمادًا على ما درستَ من أشعار زعيم الإباحيين: عمر بن أبي ربيعة.
(نقطة على وضوح الخط ونظافة الورقة)
المقدمة
نشأ عمر بن أبي ربيعة، زعيمُ الغزل الحضري والإباحي، في بيئةٍ مكّة والمدينة، حيث ازدهرت الحركة التجارية واختلطت الفتيات بالشباب في مواسم الحجّ والأسواق والنوادي. وقد انعكس هذا الانفتاح الاجتماعي على شعره، فامتلأت قصائده بفرحة الحبّ وخفّة الروح وجرأة الحبيبة، إضافة إلى شخصية العاشق الظريف الذكيّ اللطيف حسن العبارة. غير أنّ هذه الصورة المشرقة لم تخلُ من لحظات حزنٍ وحرمانٍ وعتاب، تُبرز الوجه الآخر لتجربته العاطفية. فكيف تمظهرت هذه العناصر في غزله؟ وما مدى حضور الفرح مقابل الشكوى في ديوانه؟
الجوهر
يظهر فرحُ الحبّ في غزل عمر بن أبي ربيعة أولًا من خلال صورة الحبيبة الجريئة التي لم تكن مقيدة بما كان يُفرض على نساء البادية من صمت وخجل وانسحاب. فقد قدّم لنا الشاعر محبوبةً تعرف ما تريد، تُظهر مشاعرها دون خوف، تبادر إلى الوصال وتبحث عن لحظات اللقاء، وتعرف كيف تدافع عن حبيبها وتراوغ الرقباء وتحميه من قومها. ومن خلالها يتجلّى وجه المرأة في المجتمع الحجازي الحضري، لا بوصفها متلقّية سلبية للغزل، بل بوصفها شريكة فعليّة في صنع الحدث العاطفي.
وثاني المظاهر يتمثّل في المجتمع المنفتح الذي احتضن تجربة الشاعر. فقد خفّفت الحياة المدنية الحواجز بين الجنسين، فلم يعد الغزل عيبًا قاتلًا، ولا أصبح اللقاء محفوفًا بالموت والعار. كان المجتمع يسمح بنشوء علاقة إنسانية طبيعية، تُسهّلها المواسم والأسواق ومجالس الطرب. ولهذا بدا شعر عمر أكثر حيوية وواقعية، فقد تهيّأت له ظروف اجتماعية تسمح للهُيام بأن يتحوّل إلى مغامرة ممتعة، وللنظرة العابرة بأن تنمو إلى قصة حبّ تتجدّد في كلّ موسم حجّ.
أما العنصر الثالث فهو شخصية العاشق الظريف نفسه، إذ كان عمر يتمتع بذكاء اجتماعي لافت، ولباقة في الحديث، وظرف في السلوك، وحسن عبارة يجعل النساء مفتونات به قبل أن يفتتنّ بجمالهنّ. ولم يلتزم الشاعر بحبيبة واحدة، بل تنوّعت في شعره الأسماء والهيئات، من فاطمة إلى هند إلى ثريّات أخريات، مما يعكس طبيعة المجتمع المتحرّكة ويُظهر شغفه بالتجارب الجديدة. وقد تميّز أيضًا بجرأته في وصف المحاسن الجسدية للمرأة وصفًا دقيقًا لم يجرؤ عليه شعراء آخرون، بل بلغ أن صوّر نفسه أحيانًا كما تراه النساء، فيخلق بذلك لعبة شعرية مزدوجة بين المتكلم والمخاطَب.
ومع كلّ تلك الأجواء المشرقة، لم يخلُ غزله من لحظات حزن وحرمان وشكوى، وهي لحظات قليلة لكنها كاشفة. فقد اشتكى من تمنّع بعض الحبيبات عنه خوفًا من المجتمع أو حبًّا في العتاب والتدلّل، كما ضاق بتدخّل السلطة السياسية عندما مُنع من لقاء فاطمة بنت عبد الملك أثناء الحجّ حرصًا على مكانتها. وفي مواقف أخرى وقف باكيًا على الأطلال يستعيد ماضيه مع محبوبةٍ غادرت أو أنكرته، فظهر في شعره صوت إنسان مُحبّ يتألم كما يفرح، ويشتاق كما يلهو. ويبدو أنّ ابن أبي ربيعة، رغم ظرافتِه، كان يعيش لحظات قلقٍ عاطفي تُضفي على شعره بعدًا إنسانيًا صادقًا لا ينفي مرح قصائده ولا يُلغيه.
وثاني المظاهر يتمثّل في المجتمع المنفتح الذي احتضن تجربة الشاعر. فقد خفّفت الحياة المدنية الحواجز بين الجنسين، فلم يعد الغزل عيبًا قاتلًا، ولا أصبح اللقاء محفوفًا بالموت والعار. كان المجتمع يسمح بنشوء علاقة إنسانية طبيعية، تُسهّلها المواسم والأسواق ومجالس الطرب. ولهذا بدا شعر عمر أكثر حيوية وواقعية، فقد تهيّأت له ظروف اجتماعية تسمح للهُيام بأن يتحوّل إلى مغامرة ممتعة، وللنظرة العابرة بأن تنمو إلى قصة حبّ تتجدّد في كلّ موسم حجّ.
أما العنصر الثالث فهو شخصية العاشق الظريف نفسه، إذ كان عمر يتمتع بذكاء اجتماعي لافت، ولباقة في الحديث، وظرف في السلوك، وحسن عبارة يجعل النساء مفتونات به قبل أن يفتتنّ بجمالهنّ. ولم يلتزم الشاعر بحبيبة واحدة، بل تنوّعت في شعره الأسماء والهيئات، من فاطمة إلى هند إلى ثريّات أخريات، مما يعكس طبيعة المجتمع المتحرّكة ويُظهر شغفه بالتجارب الجديدة. وقد تميّز أيضًا بجرأته في وصف المحاسن الجسدية للمرأة وصفًا دقيقًا لم يجرؤ عليه شعراء آخرون، بل بلغ أن صوّر نفسه أحيانًا كما تراه النساء، فيخلق بذلك لعبة شعرية مزدوجة بين المتكلم والمخاطَب.
ومع كلّ تلك الأجواء المشرقة، لم يخلُ غزله من لحظات حزن وحرمان وشكوى، وهي لحظات قليلة لكنها كاشفة. فقد اشتكى من تمنّع بعض الحبيبات عنه خوفًا من المجتمع أو حبًّا في العتاب والتدلّل، كما ضاق بتدخّل السلطة السياسية عندما مُنع من لقاء فاطمة بنت عبد الملك أثناء الحجّ حرصًا على مكانتها. وفي مواقف أخرى وقف باكيًا على الأطلال يستعيد ماضيه مع محبوبةٍ غادرت أو أنكرته، فظهر في شعره صوت إنسان مُحبّ يتألم كما يفرح، ويشتاق كما يلهو. ويبدو أنّ ابن أبي ربيعة، رغم ظرافتِه، كان يعيش لحظات قلقٍ عاطفي تُضفي على شعره بعدًا إنسانيًا صادقًا لا ينفي مرح قصائده ولا يُلغيه.
الخاتمة
يتبيّن من دراسة ديوان عمر بن أبي ربيعة أنّ مظاهر فرحة الحبّ كانت أوسع انتشارًا وأقوى حضورًا من نبرات الشكوى والحرمان. فقد عاش شاعر الغزل الحضري حياة مليئة بالمغامرات واللقاءات، واحتفى في شعره بجمال المرأة، وبنشوة العشق، وبرغد الحياة المدنية. أمّا لحظات الحزن التي وردت في قصائده، فهي لم تكن سوى فترات خاطفة تكشف حساسيته العاطفية وتؤكّد واقع التجربة الإنسانية.
ومع ذلك، يظلّ سؤالاً مطروحًا في النقد الأدبي:
هل كانت قصص الحبّ التي رواها أبو الخطاب تجارب حقيقية عاشها، أم أنها مجرّد بناء شعري تخييلي خضع لمقتضيات الفنّ واللعب السردي؟
ومع ذلك، يظلّ سؤالاً مطروحًا في النقد الأدبي:
هل كانت قصص الحبّ التي رواها أبو الخطاب تجارب حقيقية عاشها، أم أنها مجرّد بناء شعري تخييلي خضع لمقتضيات الفنّ واللعب السردي؟

0 commentaires
Enregistrer un commentaire