mercredi 10 décembre 2025

موضوع مع الاصلاح محور الحكاية المثلية كليلة و دمنة - أولى ثانوي

موضوع مع الاصلاح محور الحكاية المثلية كليلة و دمنة - أولى ثانوي 

الموضوع :

سعى ابن المقفع في كتابه "كليلة ودمنة" إلى نقد المجتمع سياسيًا وأخلاقيًا، مستخدمًا الحكايات الرمزية والشخصيات الحيوانية لعرض العيوب وتصحيح السلوكيات، مع تسليط الضوء على القيم الإنسانية. حلل ذلك 

المقدمة

ابن المقفع، أحد أعظم أدباء العصر العباسي، لم يكن مجرد كاتب يحكي الحكايات، بل كان ناقدًا حادًّا للمجتمع من حوله، سياسيًا وأخلاقيًا، وساعيًا دائمًا إلى تأسيس مجتمع أفضل خالٍ من العيوب. وقد استعمل في كتابه الشهير "كليلة ودمنة" الحكاية المثلية أسلوبًا ذكيًا وموفقًا، إذ تمكن من خلالها من عرض الممارسات الخاطئة والأخطاء الاجتماعية بطريقة غير مباشرة، بعيدًا عن مواجهة الحاكم الظالم، الذي لم يكن يسمح بحرية التعبير. وقد اهتم ابن المقفع بملاحظة ما يجري في المجتمع من أحداث تؤثر في الناس وتثير مشاعرهم، فاستطاع من خلال شخصياته الحيوانية أن يعكس الواقع الإنساني بكل تفاصيله، من صداقات حقيقية إلى مصالح شخصية ونفاق وخداع.

الجوهر

اهتم ابن المقفع بقيمة الصداقة، فهي إحدى القيم الإنسانية الثمينة التي لا يمكن الاستغناء عنها. فقد أبرز في الحكايات كيف أن اختيار الصديق الصحيح أمر بالغ الأهمية، إذ يمكن للنمامين والمخادعين استغلال الأخطاء والثغرات بين الأصدقاء للإيقاع بينهم. ويظهر ذلك بوضوح في شخصية دمنة، الذي ملأ صدر الأسد بالغيبة والنميمة، فأوقعه في شرّ كبير وجعله يندم طيلة حياته. وعلى الجانب الآخر، نجد شخصيات حيوية إيجابية مثل الحمامة المطوقة والجرذ، اللذين تصرفا بحكمة وأنقذا الآخرين من المخاطر، ما يوضح أهمية التعاون والتضامن بين أفراد المجتمع، وتأكيد قول الله تعالى: "وتعاونوا على البر والتقوى، ولا تعاونوا على الإثم والعدوان".

كما أولى ابن المقفع اهتمامًا بالسياسة وضرورة وجود قائد حكيم، قادر على التصرف بعقلانية وعدل، بعيدًا عن التحيز والانقياد للنميمة والخداع. ويتجلى هذا في حكاية الأسد والثور، إذ يمثل الأسد التسرع وسهولة الانقياد، بينما تمثل أم الأسد والحمامة المطوقة الحكمة والرزانة، ما يعكس ضرورة المشورة والتفكير المتأني قبل اتخاذ القرار. ومن هنا يمكننا أيضًا استخلاص أهمية استقلال القضاء عن السلطة التنفيذية، واحترام القانون في الحكم، وعدم التسرع في إصدار الأحكام، والابتعاد عن المحاباة والرشوة، لضمان مجتمع عادل ومتوازن.

الحوار في حكايات ابن المقفع عنصر أساسي، فهو يعكس شخصيات المتحاورين ونفسياتهم ويبرز نقاط قوتهم وضعفهم. فوجود شخصيات معقدة مثل دمنة، الذي يمزج بين قوة الجدل والدهاء مع غياب الضمير، وشخصيات إيجابية مثل الجرذ والحمامة، يجعل القارئ يتعلم من كل موقف درسًا مهمًا عن العلاقات الاجتماعية والسياسية، والحذر من المنافقين والطامعين، وأهمية التعاون والعمل الجماعي، واحترام القوانين والنظام. كما أن الحوار يجعل الأحداث أكثر تشويقًا، ويجعل القارئ يتابع الحبكة إلى النهاية بشغف واهتمام.

الخاتمة

إن هدف ابن المقفع من كتابه "كليلة ودمنة" كان تأسيس مجتمع متماسك، قائم على القيم الإنسانية مثل التعاون، والتآزر، والعدل، والالتزام بالقانون، بحيث يكون الناس سواسية أمامه، لا فرق بينهم إلا بالتقوى والعمل الصالح. وقد استخدم الشخصيات الحيوانية بعقلانية ودهاء لتجسيد الشخصيات الإنسانية، مما أتاح له حرية النقد بأمان، وجعل من كتابه مثالًا خالدًا على الحكمة والدرس الاجتماعي والسياسي. وتظل حكاياته مصدرًا غنيًا للتعلم، إذ تجمع بين المتعة الأدبية والفائدة الأخلاقية، وتعلّمنا كيف نحيا في مجتمع يسوده العدل والحكمة والإنصاف.

0 commentaires

Enregistrer un commentaire