شرح نص باب الخديعة
التقديم :
المشهد «باب الخديعة» مقتطع من مسرحية تاريخية تتناول نهاية حكم مراد الثالث، وفيه نتابع قدوم إبراهيم موفد السلطان العثماني إلى تونس، واحتشاد الجند والحاشية حول خيمة مراد، ثم تتكشّف الخديعة باغتيال الحاكم باسم «النظام والعدل»، فتأتي النهاية مأسوية تكشف صراع الحكم الفردي مع السلطة المركزية العثمانية.
الموضوع :
يقدّم المشهد مشهدًا غالقًا ينتهي باغتيال مراد الثالث على يد إبراهيم، في إطار مؤامرة سياسية تُرفع فيها شعارات العدل والنظام بينما تُستعمل الخديعة والعنف لتغيير الحكم.
التقسيم :
-
تمهيد المشهد وتوافد الشخصيات (وصول فاطمة وعلي والرسالة وخبر قدوم إبراهيم).
-
تصاعد التوتر (إلحاح علي وفاطمة على التحذير وتطويق الدايات للمحفل وإعلان الفرمان).
-
النهاية المأساوية (اغتيال مراد بالخنجر وتبرير إبراهيم للفعل باسم النظام والعدل).
الإجابة عن الأسئلة :
الفهم :
النهاية المأساوية
1- بيّن كيف أسهمت الأحداث بتعاقبها السريع في دفع الحركة الدرامية نحو الفاجعة، وما اكتسبت به الأحداث طابع الإثارة.
تتلاحق الأحداث بسرعة: وصول فاطمة، ثم علي برسالة حسين، ثم خبر قدوم إبراهيم، ثم دخول الحاشية
والدايات والجند، مع إلحاح علي على قراءة الرسالة وصراخ فاطمة من الخارج، ثم إعلان الفرمان فالطعن
بالخنجر. هذا التعاقب السريع يدفع الحركة مباشرة إلى الفاجعة ويزيد من التشويق والإثارة لأن
المتفرّج يعي الخطر قبل البطل، فينتظر لحظة السقوط في توتر متزايد.
المشهد الغالق
2- تبيّن العلاقة بين نمطي الخطاب الدرامي موضحا أهمية الإشارات في هذا الموضع من المسرحية.
يجمع المشهد بين الخطاب الحواري (كلام مراد وإبراهيم وفاطمة وعلي...) والخطاب الإشاري الركحي
(يقفز علي، يطوّق الدايات المحفل، يمسك الجندي بعلي وسعد...). الحوار يعلن الشعارات والمواقف، أمّا
الإشارات فتكشف الخديعة والحصار والمفاجأة. لذلك تعدّ الإرشادات الركحية ضرورية لتجسيد جوّ
المؤامرة والغدر الذي لا يفضحه الحوار وحده.
الشخصيات المسرحية
3- أبرز دلالة التكثيف في عدد الشخصيات في هذا الموقف، ثم صنّفها حسب موقع كل منها في التلفّظ ودورها في الأحداث.
اجتماع أغلب الشخصيات في مشهد واحد يجعل منه مشهدًا غالقًا يختزل الصراع كله: مراد، إبراهيم،
فاطمة، علي، سعد، حمودة، محمد خوجة، الدايات، قاضي العسكر، الجند... كل شخصية تمثل جهة:
مراد الحاكم المحلي، إبراهيم ممثل السلطان، فاطمة وعلي وسعد أصفياء مراد وصوت التحذير، والدايات
والجند وقاضي العسكر يمثلون المؤسسة الرسمية. في التلفّظ يبرز متلفّظان رئيسيان (مراد وإبراهيم)،
ومتلفّظ تحذيري (فاطمة وعلي)، ومتلفّظ جماعي ثانوي (الجند والحاشية).
محاكاة التاريخ
4- كيف تراءت شخصية إبراهيم في هذا الموقف النهائي؟ وما نوع الصراع الذي يمثله؟
يظهر إبراهيم ثابت الخطى، بارد الأعصاب، يختبئ وراء خطاب العدل والنظام، لكنه يمارس
الخيانة والاغتيال حين يعانق مراد ثم يطعنه. إنه أداة طيّعة لتنفيذ أمر السلطان دون اعتبار لحرمة
القرابة أو كرامة الخصم. يمثّل بذلك صراعًا سياسيًا بين السلطة العثمانية والحكم المحلي، وصراعًا
قيميًا بين الشعارات والواقع القائم على العنف.
الخديعة والعدل
5- استجل الأبعاد النقدية التي تضمنها ملفوظ مراد الختامي.
قول مراد: «العدل؟ النظام يا غبي؟ أي نظام تريد وقد أبقيت باب الخديعة مفتوحا عليك» يفضح تناقض
الخطاب الرسمي؛ فهو يشكّك في صدق شعارات «العدل والنظام» التي يرفعها إبراهيم، ويكشف أنها
مجرّد غطاء لاغتصاب السلطة بالخديعة والقتل. كما يحمل حكمًا تاريخيًا على كل نظام يؤسَّس على
الغدر، لأنّ من يفتح باب الخديعة لغيره سيقع فيه هو أيضًا.
الدلالات الرمزية
6- ما هي الدلالات الرمزية لـ «رسالة حسين» و«الفرمان» و«الخنجر»؟
رسالة حسين: ترمز إلى صوت التحذير والعقل وإمكانية تجنّب الكارثة لو أُصغي إليها في الوقت
المناسب.
الفرمان: يرمز إلى السلطة المطلقة للسلطان وإلى تبعية تونس السياسية للباب العالي، كما يجسد
العدل الرسمي الذي قد يكون غطاء لهيمنة سياسية.
الخنجر: يرمز إلى العنف السياسي المغلّف بالخديعة، وإلى تنفيذ الحكم لا عبر قضاء عادل بل عبر
اغتيال مباغت يختزل نهاية الصراع على الحكم.
التقويم :
* بم تعلل النهاية المأسوية للمسرحية؟ (بقطع النظر عن الواقع التاريخي)
تعود النهاية المأساوية إلى تراكب عوامل عدّة: حكم فردي مضطرب، وتربّص السلطان العثماني
لاسترجاع السيطرة على تونس، وانتشار مناخ الخديعة والمؤامرة بدل الإصلاح والحوار. لذلك يبدو
سقوط مراد قتلاً نتيجة منطقيّة لمسار سياسي تأسّس على العنف والشكّ لا على المؤسسات والعدل.
الاحتفاظ ب : المشهد الغالق ومحاكاة التاريخ
ينتمي هذا المقطع إلى نوع من المقاطع الدرامية يسمى المشهد الغالق، وهو مشهد يجمع أحداث النهاية فيغلق الحركة الدرامية ويكثّف الدلالات والشخصيات في لحظة حاسمة واحدة. والمحاكاة الفنية للتاريخ هنا لا تقوم على سرد وقائع موثّقة فحسب، بل تُعيد صياغة بعض الأحداث التاريخية في شكل صراع مسرحي لمعالجة قضايا مثل الحكم الفردي، والتبعية، والانتقام، وفقدان الهوية.
التوظيف :
* هل كان بالإمكان تفادي الكارثة؟ أنتج نهاية للمسرحية تكون غير دامية.
كان يمكن تفادي الكارثة لو استمع مراد لتحذير فاطمة وعلي وقرأ رسالة حسين في وقتها، فاستدعى
إبراهيم إلى مجلس علني أمام العلماء والجند، وتمّ عزله أو محاسبته سياسيًا بقرار واضح من دون
اغتيال، أو قَبِل مراد بالتنازل السلمي عن الحكم مقابل ضمان أمنه وأمن أنصاره.
* إلى أي مدى كان قتل إبراهيم لمراد تجسيدا لقيمتي النظام والعدل؟
يُقدَّم الفعل ظاهريًا على أنه تنفيذ لأمر السلطان «لإنقاذ المسلمين»، لكنه في الواقع يعتمد الخديعة
والقتل المباغت دون محاكمة عادلة أو حق في الدفاع، لذلك لا يجسّد حقيقةً قيمتي النظام والعدل، بل
يجسّد الانقلاب والانتقام السياسي.
* استخلص الأبعاد الإنسانية لشخصية مراد الثالث وبين مدى تأثرها بتحمل أوزار الحكم في ظروف الفتن والصراع على السلطة.
تبدو شخصية مراد الثالث إنسانية معقّدة؛ فهو شجاع وطموح، لكنه في الوقت نفسه قَلِق ومتردّد
ومحاصر بالمؤامرات. تحمّله أوزار الحكم في زمن الفتن جعله يميل أحيانًا إلى العنف لحماية عرشه،
فازدادت معاناته النفسية وتضاربت داخله صورة الحاكم مع صورة الإنسان الضعيف الذي يشعر
بالخطر يتربّص به من كل جانب.
* ما رأيك في تدخل سلطان تركيا في إنهاء حكم مراد لتونس؟
هذا التدخل يبدو من جهة محاولة لوضع حدّ لحكم فردي مضطرب، لكنه من جهة أخرى يؤكد
تبعية تونس السياسية للسلطان العثماني، وقد تمّ عبر الاغتيال والخديعة لا عبر إصلاح حقيقي
ومؤسسات عادلة؛ لذلك أراه تدخلاً مرفوضًا أخلاقيًا وسياسيًا لأنه لم يهدف إلى حرية التونسيين
بقدر ما aimed إلى تثبيت نفوذ السلطان واستبدال ظلم بآخر.

0 commentaires
Enregistrer un commentaire