تعريف الكاتب عبد الكريم غلاب
عبد الكريم غلاب (1919 – 2017) هو كاتب ومؤرخ وروائي وصحفي مغربي بارز، يُعد من أبرز الشخصيات الفكرية والأدبية في المغرب خلال القرن العشرين. تميز بإنتاجه المتنوع في مجالات الأدب، التاريخ، والصحافة، كما ساهم بكتاباته ومواقفه في ترسيخ الفكر الوطني والدفاع عن قضايا الهوية والحرية والإصلاح. امتازت أعماله بعمق التحليل وبلاغة التعبير، فكان من أعمدة الأدب المغربي الحديث وأحد رموز نهضته الثقافية والفكرية.
1- السيرة الذاتية والنشأة:
وُلد عبد الكريم غلاب في مدينة فاس يوم 31 ديسمبر 1919، في بيئة علمية ودينية شكلت بدايات وعيه الثقافي والفكري. تلقى تعليمه الأولي في الكتّاب، ثم واصل دراسته في القرويين، قبل أن ينتقل إلى القاهرة لمتابعة دراسته العليا في كلية الحقوق بجامعة القاهرة.
كانت نشأته في فترة استعمارية صعبة، مما جعله يتأثر مبكرًا بقضايا الوطن، فجمع بين حب الأدب والالتزام الوطني، وساهم في الحركة الفكرية والسياسية التي مهدت لاستقلال المغرب.
2- أهم إنجازاته الأدبية والفكرية:
1- الرواية:
يُعد عبد الكريم غلاب من أوائل الروائيين المغاربة الذين ساهموا في تأسيس فن الرواية بالمغرب. تميزت رواياته بالواقعية الاجتماعية وبقدرتها على تصوير المجتمع المغربي في مرحلة التحول من الاستعمار إلى الاستقلال.
"دفنا الماضي": من أشهر رواياته، تناول فيها الصراع بين القديم والجديد، بين التقاليد والمجتمع العصري، من خلال شخصيات تبحث عن مكانها في مغرب ما بعد الاستقلال. عكست الرواية وعي الكاتب العميق بالتحولات الاجتماعية والثقافية التي عرفها بلده.
"سبعة أبواب" و "المعلم علي" من الروايات الأخرى التي تجسد أسلوبه الواقعي ولغته السلسة وتحليله النفسي العميق للشخصيات.
2- الصحافة:
كان عبد الكريم غلاب صحفيًا متمرسًا، شغل منصب رئيس تحرير جريدة "العلم"، لسان حزب الاستقلال، لعقود طويلة. من خلال مقالاته، دافع عن قضايا الحرية والعدالة الاجتماعية والإصلاح السياسي، كما ساهم في تشكيل الوعي الوطني في مرحلة ما بعد الاستقلال.
تميّز قلمه بالموضوعية والجرأة، واستطاع أن يجعل من الصحافة منبرًا لتثقيف المجتمع وتوعيته.
3- الفكر والتاريخ:
كتب عبد الكريم غلاب العديد من الدراسات الفكرية والتاريخية التي تناولت تطور الفكر المغربي والعربي، ودور المثقف في المجتمع.
"مع الشعب": كتاب فكري يعكس وعيه السياسي والاجتماعي، ويضم مقالات تعبّر عن نضاله الفكري من أجل بناء وطن حرّ وديمقراطي.
كما كتب في تاريخ الحركة الوطنية المغربية، موثقًا للأحداث والشخصيات التي ساهمت في مقاومة الاستعمار وبناء الدولة الحديثة.
4- المقالة الأدبية والنقد:
كان غلاب من النقاد الذين جمعوا بين الحس الأدبي والرؤية الفكرية، فكتب مقالات تناولت قضايا الأدب العربي الحديث، وتطور اللغة العربية في المغرب. دعا إلى جعل الأدب أداة للتنوير والتعبير عن الواقع الاجتماعي والإنساني.
تميّز نقده بالعمق والتحليل، وكان يهدف دائمًا إلى الارتقاء بالكتابة المغربية وجعلها أكثر قربًا من الناس وقضاياهم اليومية.
3- الرؤية الأدبية والفكرية:
آمن عبد الكريم غلاب بأن الأدب رسالة ومسؤولية، وليس مجرد ترفٍ لغوي أو جمالي. كان يرى أن الكاتب الحقيقي هو الذي يعبّر عن قضايا شعبه ويكون شاهدًا على عصره.
مزج في رؤيته بين الأصالة والمعاصرة، فاعتبر أن الهوية المغربية تتجدد بالانفتاح دون التفريط في الجذور. كانت كتاباته تُجسد هذا التوازن بين الحداثة والتراث، بين الالتزام الوطني والإبداع الفني.
4- القضايا التي تناولها في أعماله:
تناول عبد الكريم غلاب في مؤلفاته قضايا محورية منها:
التحرر الوطني ومقاومة الاستعمار.
الهوية المغربية وصراعها مع مظاهر التغريب.
العدالة الاجتماعية ودور المثقف في الإصلاح.
مكانة المرأة ودورها في المجتمع المغربي الحديث.
التربية والتعليم كركيزة لبناء الإنسان والمجتمع.
5- التأثير والإرث:
ترك عبد الكريم غلاب إرثًا فكريًا وأدبيًا كبيرًا، جعل منه أحد رواد النهضة الأدبية والفكرية في المغرب. تتلمذ على فكره العديد من الكتّاب والمفكرين الذين رأوا فيه نموذجًا للكاتب الملتزم.
بفضل تنوع إنتاجه وعمق رسالته، ساهم في بناء جسر بين الأدب والفكر، وبين الماضي والمستقبل. وقد حظي بتكريم وطني وعربي تقديرًا لعطائه الثقافي والوطني.
الخاتمة
كان عبد الكريم غلاب رمزًا من رموز الفكر والأدب في المغرب والعالم العربي. جمع بين الأديب والمؤرخ والصحفي، وبين المثقف والوطني الغيور. شكّل إنتاجه الغزير ووعيه المتبصر مرجعًا هامًا لفهم تحولات المجتمع المغربي في القرن العشرين.
رحل في 14 أغسطس 2017، لكنه ترك وراءه فكرًا حيًّا وأدبًا خالدًا يواصل إلهام الأجيال المقبلة.

0 commentaires
Enregistrer un commentaire