فرض مراقبة انشاء حول محور العمل - تاسعة أساسي - مرفق بالإصلاح

فرض مراقبة انشاء حول محور العمل - تاسعة أساسي -  مرفق بالإصلاح

الموضوع:

صاحب المصنع الذي يعمل فيه شقيقي بدأ بطرد العمال بسبب تكرار حالات الإضراب وتأثيرها على سير العمل. وعندما ناقشت أخي في الأمر، برّر مشاركته في الإضراب بسبب حرمان العمال من منح إضافية وسوء ظروف العمل. رفضت موقفه وحاولت إقناعه بخطورة التقاعس على الفرد والمجتمع، مؤكدًا له أهمية الإتقان في العمل وأثره على حياة الإنسان وازدهار وطنه مركزًا على الحجج التي استخدمتها لإقناعه بأهمية العمل والجدّ.

المقدّمة:

أشرقت شمس الصباح في أفقٍ رائقٍ مطمئن، تبعث في النفوس حيوية الأمل، وتدعو الناس إلى السعي والجدّ. كان الطريق يعجّ بالحركة، فكلٌّ يمضي إلى عمله مستجيبًا لنداء الحياة. وبينما كنتُ أراقب هذا المشهد البهيّ، لمحت أخي جالسًا في مقهى هادئ يحتسي كوبًا من الشاي في وقت العمل. أثار المنظر في نفسي تساؤلًا وقلقًا، فتقدّمت نحوه مستفسرًا، فأخبرني بنبرة ممتزجة بالغضب واليأس أنّ صاحب المصنع طرد عددًا من العمال، وأنه شارك معهم في الإضراب بسبب حرمانهم من المنح الإضافية وسوء ظروف العمل.

حينها أدركت أن عليّ أن أحاوره وأبيّن له أن العمل قيمة سامية، وأن البطالة والتقاعس ليسا سوى بداية الانحدار للفرد والمجتمع.

الجوهر:

لقد كان واضحًا أن أخي، مثل كثيرين غيره، يجهل أن البطالة ليست مجرّد انقطاعٍ عن الشغل، بل هي داء يفتك بالأفراد والأمم. فالمجتمعات لا تنهض بالشكوى، ولا تبنى بالإضرابات العشوائية، وإنما بالعزم والإتقان والصبر.

إن البطالة، حين تستشري، تزرع الفقر، وتنشر الكسل، وتُضعف روح الانتماء، فيصبح الفرد عبئًا على نفسه وعلى مجتمعه. وكم من أسرٍ تحطّمت لأن عائلها عجز عن العمل، وكم من شابٍ انحرف عن الطريق القويم حين ضاق به الأفق. تلك حقيقة يعرفها التاريخ كما تعرفها الحياة اليومية.

لقد علّمنا الإسلام أن العمل عبادةٌ وكرامةٌ للإنسان، لا يُستغنى عنه في بناء الذات والمجتمع. قال الله تعالى:

«وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون»،

وفي الحديث الشريف: «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملًا أن يتقنه».

فالإتقان في العمل ليس ترفًا، بل واجب ديني وأخلاقي. ومن قصّر في عمله فقد قصّر في حقّ أمّته ووطنه.

ألم تسمع عن توماس إديسون الذي فشل مئات المرات قبل أن يخترع المصباح، أو عن أحمد بن محمد الفاسي الذي سافر طلبًا للعلم والعمل فأسّس مدارس علمية خالدة؟ هؤلاء ما استسلموا لليأس، بل اتخذوا من العمل سلاحًا للنهوض."

ثم أضفت قائلًا:

"انظر يا أخي إلى تاريخ أمتنا، كيف ازدهرت أيام كان المسلمون يتنافسون في الإتقان والإبداع! فقد كان الخزّاف، والنجّار، والحدّاد، والخطيب، والطبيب يؤدون أعمالهم بإخلاصٍ وعدالةٍ حتى سادت حضارتنا الأمم. فبالعمل تُبنى الدول، وبه تنهض الشعوب. أما البطالة، فهي باب الفقر والذلّ والفساد، تقتل الطموح، وتحوّل المجتمع إلى كيانٍ ضعيفٍ يعتمد على غيره. وهل رأيت أمة تقدّمت بالكسل؟"

وحين حاولت أن أوصل هذه الفكرة إلى أخي، استمع إليّ بدايةً في فتور، ثم انفجر غاضبًا يقول:

"ما فائدة العمل إن كان لا يجلب سوى التعب؟ نحن نكدّ من الصباح إلى المساء، ولا نحصل إلا على القليل!"

فأجبته بهدوء:

"يا أخي، ليس الشأن في القليل أو الكثير، بل في النية والإخلاص. من عمل بإتقانٍ وجد البركة في رزقه، ونال احترام الناس. العمل شرفٌ لا يُقاس بالأجر فقط، بل بقيمة ما يقدّمه الإنسان لوطنه. فالمجتمع الذي يعمل أفراده بجدٍّ، هو مجتمعٌ يسير نحو الرقيّ والنهضة، أما الذي يسوده الكسل والاعتماد على الغير، فهو مجتمعٌ إلى زوال."

ثم أردفتُ قائلًا:

"انظر حولك يا أخي، فكل ما نراه من عمرانٍ وتقدّمٍ هو ثمرة جهد رجالٍ لم يعرفوا الكسل، ولم يتذرّعوا بسوء الظروف. ولو أن كلّ عاملٍ أضرب أو تقاعس بسبب التعب، لتوقفت الحياة. فالمجد لا يُنال بالتذمّر، بل بالصبر والعمل. وقد قال الشاعر:

بقدرِ الكدِّ تُكتسبُ المعالي ومن طلبَ العُلا سهرَ الليالي"

كانت كلماتي كالمطر على أرضٍ عطشى، إذ رأيت ملامح وجهه تلين، ونظراته تتبدّل من السخط إلى التفكير. أدرك أن الحقّ لا يُنال بالاعتصام والشكوى، بل بالاجتهاد والمثابرة، وأن المجتمع الذي يتقن أبناؤه أعمالهم هو مجتمعٌ لا يعرف الهزيمة.

الخاتمة:

غادر أخي المقهى بخطى ثابتة، وقد تبدّل في نفسه ما كان من فتورٍ إلى عزيمة، ومن تذمّرٍ إلى وعي. ابتسمتُ في سرّي راضيًا عن الحوار الذي أعاد إليه الثقة بأن العمل ليس مجرّد وسيلة للرزق، بل هو قيمة وجودٍ وواجب وطني.

إن البطالة داء، والعمل دواؤها، والإتقان هو سبيل النجاة والازدهار.

ومن أخلص في عمله رفع الله قدره، وساهم في بناء وطنه، كما قال أحد الحكماء:

"من أحبّ وطنه أخلص في عمله، ومن أخلص في عمله عاش كريمًا في دنياه، مذكورًا في تاريخه." فالعمل حياة، ومن أهمله مات وإن بدا حيًّا.