مخاطر البطالة النفسيّة والجسديّة على الفرد والمجتمع - تاسعة أساسي
1- المقدّمة:
تُعدّ البطالة من أخطر المشكلات التي تُهدّد استقرار المجتمعات وتوازن الأفراد، إذ لا تقتصر آثارها على الجانب المادّي فحسب، بل تمتدّ لتطال النفس والجسد والعلاقات الاجتماعيّة.
فالعاطل عن العمل لا يعيش فراغًا في وقته فحسب، بل يعيش فراغًا في ذاته ووجوده. وكما قال المفكّر رجب بودبوس: "العمل يعطي وجود الإنسان معنى ومبرّرًا، ومن دونه يظلّ هذا الوجود بلا معنى."
إنّ البطالة ليست غياب عمل فحسب، بل هي غياب الكرامة والغاية، ومن هنا تبدأ مآسي الفرد والمجتمع.
2- المخاطر النفسيّة للبطالة
تنعكس البطالة بعمق على الحالة النفسيّة للفرد، فهي تولد القلق والخوف من المستقبل، وتُضعف الثقة بالنفس، وتدفع الإنسان إلى الشعور بالعجز واليأس.
فالعاطل عن العمل يعيش كما يعيش النبات الطفيلي، يتّكل على غيره فيعيش عالة على المجتمع، ويُشبهه بعض المفكرين بـ مصّاص الدماء الذي يستهلك جهد الآخرين دون أن يقدّم شيئًا في المقابل.
ويقول محمد رشيد في هذا السياق: "إنّ الفرد المتقاعس خطر على المجموعة، وعنصر فاسد ليس جديرًا بالوجود فيها."
فالذي يعيش بلا عمل يفقد الشعور بالقيمة، ويغدو كما قال أحد الأدباء: "كائنًا بلا هدف، لا ينتظر من الحياة جديدًا، ولا ينير دربه أيّ حلم."
كما أنّ الإحباط والاكتئاب من أبرز نتائج البطالة، إذ تشير تقارير منظّمة الصحّة العالميّة إلى أنّ العاطلين عن العمل أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب بنسبة تفوق العاملين بـ 70%.
وتؤدي البطالة أيضًا إلى العزلة والانطواء، فينكمش الفرد على نفسه ويبتعد عن محيطه، كما ينسحب الجريح من ساحة المعركة، فيفقد التواصل مع الناس ويشعر بالوحدة والخواء.
ومن شدّة الفراغ، تتحوّل الطاقة المكبوتة إلى سلوكيات سلبية، فينحرف البعض نحو الإدمان أو التسوّل أو حتى الجريمة. وليس من قبيل الصدفة أن يقول المثل الشعبي: "البطالة أمّ الرذائل."
وقد نبّه النبيّ ﷺ إلى قيمة العمل بقوله: "اليد العليا خير من اليد السفلى." أي أنّ من يعمل خير ممّن يعيش على عون غيره، لأنّ العمل شرفٌ واستقلال، بينما البطالة ذلّ واعتماد.
2- المخاطر الجسديّة للبطالة
كما تؤذي البطالة النفس، فإنّها كذلك تُنهك الجسد. فالقلق المستمرّ وقلّة النشاط البدني يسببان أمراض القلب والضغط والسكري.
ويقول الأطباء إنّ "القلب مرآة النفس"، فإذا عاش الإنسان في توتّرٍ دائم انهك قلبه كما ينهك الحمل الثقيل ظهر الحامل.
ويعاني العاطلون من الصداع المزمن وآلام العضلات نتيجة الجلوس الطويل دون حركة، وقد يُشبههم العلماء بجهاز كهربائيّ يعمل دائمًا في وضع الاستعداد حتى ينهار.
كما تؤدي البطالة إلى اضطراب النوم، إذ بيّنت الدراسات أنّ 76% من العاطلين يعانون الأرق مقارنة بـ 25% فقط من العاملين.
ومن جهة أخرى، قد تؤدي البطالة إلى السمنة أو النحافة المفرطة، فهناك من يلجأ إلى الأكل العاطفي بسبب الفراغ والقلق، وهناك من يفقد شهيّته بسبب الإحباط والخوف.
ولأنّ الإنسان بلا هدف يفقد التوازن، فإنّ بطالته تفتح الباب لأمراض مزمنة خطيرة، حتى قيل إنّ "البطالة طريق مليء بالمطبّات، كلّ منعطفٍ فيه يقود إلى مرضٍ جديد".
3- الآثار الاجتماعيّة والاقتصاديّة للبطالة
تتحوّل البطالة سريعًا من مشكلة فرديّة إلى كارثة اجتماعيّة تمسّ الأمن والاستقرار. فالمجتمع الذي يكثر فيه الشباب العاطلون لا يمكن أن ينهض، لأنّ البطالة منبع الشرور والآفات، فهي تزرع الأحقاد وتوتّر العلاقات وتُضعف وحدة الصفّ.
وحين يفقد الناس موردهم المادي، تتفشّى السرقة والسطو والعنف، ويعمّ انعدام الأمن. وقد أثبتت الإحصاءات أنّ معدّلات الجريمة ترتفع بنسبة 20 إلى 30% في البلدان التي ترتفع فيها البطالة.
ويقول الأديب توفيق الحكيم: "لا راحة بغير عمل، ولا لقمة بغير عرق، ولا ثروة بغير إنتاج."
كما حذّر عمر بن الخطّاب رضي الله عنه من الكسل حين قال: "إنّ السماء لا تمطر ذهبًا ولا فضّة ونحن قعود." فالمجتمع الذي ينتظر دون سعيٍ كالصخرة التي تسدّ مجرى النهر، فلا تتدفّق مياهه ولا تزدهر أرضه.
وإذا استمرّت البطالة، فإنّها تنخر جسد المجتمع كما تنخر الأمراض المستعصية الجسد، حتى يسقط ويضعف اقتصاده.
ومع تفشّي البطالة ترتفع نسب الفقر، وتُهدر طاقات الشباب التي كان يمكن أن تكون محرّك التنمية. فبدل أن يكونوا قوّة إنتاجٍ وبناء، يصبحون عبئًا على الدولة والأسَر.
ولذلك قال بعض المفكرين إنّ "العمل جنةٌ، والبطالة جحيمٌ"، فبينما يعيش العامل أملًا ونشاطًا، يعيش العاطل فراغًا ويأسًا لا نهاية له.
4- أثر البطالة على الشباب
تقتل البطالة في نفوس الشباب روح الأمل والطموح، فيصبحون هشّين من الداخل، تفترسهم الأمراض النفسية كالإحباط والاكتئاب والاغتراب.
ويمكن ملاحظة آثارها في الواقع اليومي؛ فزيارة قصيرة إلى بعض الحدائق أو المقاهي تُظهر شبابًا أضاعوا أوقاتهم في التسكّع بدل العمل والتعلّم، لأنّهم فقدوا الاتجاه والهدف.
وهؤلاء الذين تغلّب عليهم اليأس قد ينجرفون نحو الإدمان أو الجريمة أو التطرف، لتصبح البطالة بداية كلّ انحراف. ومن هنا، يمكن القول إنّ البطالة هي أول أعداء الشباب، ومصدر أغلب الأزمات الاجتماعيّة والنفسيّة التي يعانيها المجتمع الحديث.
الخاتمة:
صفوة القول إنّ البطالة ليست مجرّد انقطاع عن العمل، بل هي داء خفيّ يفتك بالنفس والجسد والمجتمع معًا. فهي تزرع الخوف في القلوب، وتُضعف الاقتصاد، وتُهدّد الأمن، وتطفئ شعلة الأمل في نفوس الشباب.
ولذلك، فإنّ مكافحتها واجب وطنيّ وإنسانيّ، يتحقّق عبر نشر ثقافة العمل، وتطوير التعليم والتكوين المهنيّ، وتشجيع المبادرة الفرديّة.
فالعمل ليس مجرّد مصدر رزق، بل هو كرامة الإنسان ومفتاح نهضة الأوطان.

0 commentaires
Enregistrer un commentaire