شرح نص في باريس
التقديم :
نص «في باريس» مقتطع من كتاب «شارع الأميرات» لجبرا إبراهيم جبرا، وهو نصّ سرديّ ذاتيّ يسترجع فيه الكاتب تجربة ثقافية وفنية عاشها في باريس، فيصف انغماسه في الفنون والمتاحف وتأثير ذلك في وجدانه ووعيه بذاته كفنان ومثقف.
الموضوع :
يقدّم الكاتب ذكرى رحلته إلى باريس بوصفها تجربة ثقافية وفنية مكثّفة هزّت وجدانه وجدّدت شغفه بالفن والحياة.
التقسيم :
-
استرجاع الجوع الثقافي والنشاط في باريس
- حديثه عن حركته الدائبة في باريس بعد سنوات من الفقر الثقافي.
-
الزيارة الأولى للمتاحف واكتشاف ثراء الفن
- وصف اللوفر والأورانجري والدهشة أمام لوحات الانطباعيين وغيرهم.
-
أثر التجربة الفنية في الذات
- عودته إلى الرسم، وطريقته في العيش البسيط، وإحساسه بأنه فنان رحّال دائم الهجرة.
الإجابة عن الأسئلة :
التلفّظ :
1- في أي موضع حضر المخاطب في الكلام؟ وما دلالة ذلك الحضور؟
يكاد المخاطَب يغيب تمامًا في النص، إذ يروي الكاتب تجربته بضمير المتكلّم
دون أن يوجّه الكلام إلى «أنت» معيّن، مما يدلّ على أنّه مهتمّ قبل كلّ شيء
باستبطان ذاته ونقل تجربته الداخلية أكثر من محاورة الآخر.
2- ما دلالة أن يكون المتكلم هو مصدر الأفكار والانفعالات ووجهات النظر الوحيد في النص؟
يدلّ ذلك على أنّ النص سيرة ذاتية باطنية؛ فكلّ ما نراه من أفكار وانفعالات
يمرّ عبر وعي الراوي وحده، فيقدّم الماضي كما أحسّه وعاشه، لا كما يمكن أن
يراه الآخرون، فيغدو التركيز على صدق التجربة الشعورية لا على تعدّد الأصوات.
3- يسرد الراوي ذكرى رحلته إلى باريس إجمالًا ثمّ تفصيلًا. بيّن ذلك.
يفتتح النص بإجمال: يذكر الأشهر الثلاثة في باريس، وحالته من الجوع الثقافي
والنشاط الدائب. ثم ينتقل إلى التفصيل حين يصف المسرح والأوبرا والحفلات
الموسيقية وزياراته المتكررة للّوفر والأورانجري وما أحسّه أمام لوحات
مونيه ورنوار وفان غوخ وغيرهم، ثم عاداته في غرفته والرسم والطعام… وهكذا
ينتقل من الصورة العامة إلى جزئيات التجربة.
4- ما هو أسلوب الكاتب في بناء الذكرى: مراكمة الوقائع أم التأليف بينها؟ علّل إجابتك.
يعتمد الكاتب على التأليف بين الوقائع لا على مجرد تكديسها؛ فهو
يربط بين الأحداث بخيط شعوري واحد هو الانبهار بالجمال واستعادة الشغف
بالفن، فزيارة اللوفر والأورانجري والرسم في الغرفة كلها حلقات في تجربة
واحدة تجعل الذكرى متماسكة ومتصاعدة.
ذكرى ممتعة :
5- ما الحقول المعجمية الموظَّفة في سرد وقائع الرحلة إلى باريس؟ فيم تكمن قيمة الترابط بينها؟
من الحقول البارزة في النص: حقل الفن (المسرح، الأوبرا، اللوفر، اللوحات،
الانطباعيون…) وحقل الإحساس (دوار، شهقة، دموع، كهربني…) وحقل
الحركة (أذهب، أتجوّل، أصعد، أنزل، أعود…). وترتبط هذه الحقول لتصوّر
تجربة حيّة: فالفن يحرّك الإحساس، والإحساس يدفع إلى الحركة والإبداع، وهذا
الترابط يجعل الذكرى ممتعة ومفعمة بالحيوية.
6- مِمَّ شكّل الراوي ذكرى سفره إلى باريس؟ وأيّ دور للمتخيَّل في هذا التشكيل؟
شكّل الراوي ذكرى سفره من مشاهداته في المتاحف والمسارح، ومن انفعالاته
العميقة أمام الأعمال الفنية، ومن تفاصيل حياته اليومية في الغرفة. أمّا
المتخيّل فيضخّم هذه التجربة ويمنحها بعدًا سحريًّا؛ إذ يصوّر تأثير اللوحات
عليه كأنّه «كهرباء» تهزّ جسده وروحه، فيحوّل الواقعة الواقعية إلى لوحة
شعورية أكثر كثافة وجمالًا.
7- بيّن كيف أنّ المترجم لذاته يسترجع ذكرى جميلة لينتشي بها.
يسترجع الراوي تلك الذكرى الجميلة وهو يصف لحظات الدهشة أمام لوحات
الانطباعيين، ودموعه المكبوتة، وعودته إلى غرفته منتشيًا بالرسم. إنّه لا
يذكر الحدث فقط، بل يعيد عيش إحساسه القديم، فيحوّل الذكرى إلى نشوة روحية
جديدة يتلذّذ بها أثناء الكتابة.
8- هل من قيمة توثيقية لما استرجعه الراوي من وقائع رحلته إلى باريس؟ علّل إجابتك.
نعم، للذكرى جانب توثيقي لأنّها تحيل إلى أمكنة وشخصيات حقيقية (اللوفر،
الأورانجري، مونيه، فان غوخ…)، لكنها ليست وثيقة تاريخية محضة؛ فهي قبل كلّ
شيء توثيق شعوري يقدّم كيف عاش الكاتب تلك الوقائع في نفسه، أكثر مما
يقدّم تفاصيل زمنية أو مكانية دقيقة.
صورة للذات :
9- ما علاقة صورة باريس بالمقوم المعرفي في بناء صورة المترجم لذاته؟
تظهر باريس في النصّ مدينة للفنّ والثقافة الرفيعة، وهذا يعكس جانبًا
معرفيًا مهمًّا في بناء صورة الراوي لنفسه؛ إذ يبدو قارئًا واعيًا بتاريخ
الفنّ ومدارسه، ومتذوّقًا للأعمال الكبرى، ممّا يقدّمه في صورة المثقف
الكوسموبوليتي المنفتح على الثقافة العالمية.
10- ما هي ملامح الصورة التي يحرص الراوي على بنائها لنفسه؟
يقدّم نفسه كـمثقف حديث عاشق للفنون، واسع الاطلاع على الرسم والموسيقى،
حسّاس للجمال، يمارس الرسم بنفسه، يعيش حياة بسيطة ولكن مفعمة بالفن،
ويستعدّ دائمًا للهجرة والتنقل بحثًا عن مزيد من التجارب الثقافية.
11- فيم تتمثّل غنائيّة الخطاب في هذا النصّ؟ وما انعكاس ذلك على شرط الصدق في السيرة الذاتيّة؟
تتمثّل غنائيّة الخطاب في كثرة الصور والاستعارات والعبارات الوجدانية
المكثّفة مثل «دوار غريب»، «فرح عارم»، «كهربني»… ممّا يمنح النصّ نبرة
شعريّة. هذا الطابع الغنائي قد يبتعد عن الدقّة الخارجية، لكنّه يعزّز
صدق التجربة الداخلية، أي صدق المشاعر، وهو عنصر جوهري في السيرة
الذاتية.
التقويم :
* هل تعتقد أن وراء إسهاب الراوي في التعبير عن إعجابه بالحياة الثقافية في باريس رغبة في إبراز صورة المثقف العربي الحديث؟
نعم، فإلحاحه على وصف المتاحف، وذكر أسماء الرسّامين والمدارس الفنية،
وإبرازه لتأثّره بها، كلّ ذلك يوحي برغبته في تقديم نفسه نموذجًا
للمثقّف العربي الحديث الذي ينفتح على الثقافة العالمية، ويتعامل مع الفن
بوصفه شرطًا من شروط الحياة الحقيقية.
* ما موقفك من الحياة الثقافية التي يسعى إليها المثقف الجديد؟
تبدو هذه الحياة الثقافية ضرورية لتقدّم المجتمعات؛ لأنّها تقوم على حبّ
القراءة والفنون، والانفتاح على تجارب الشعوب الأخرى، وتنمية الذوق الجمالي
والنقدي. وهي حياة تجعل من المثقف عنصرًا فاعلًا في تحديث الذهن العربي
ودفعه إلى الحوار مع الحضارة الإنسانية بدل الانغلاق والعزلة.
الاحتفاظ ب : استرجاع الماضي
يقوم استرجاع الماضي في السيرة الذاتية على استحضار الأحداث الماديّة والانفعالات النفسية كما بقيت حيّة في الوجدان، مع إعادة تنظيمها وتأويلها في الحاضر. وهكذا تتحوّل الذكرى إلى وسيلة لفهم الذات وتطويرها، لا مجرّد سرد لوقائع مضت.
التوظيف :
يذكّرنا النصّ بما قاله محمد المويلحي عن المدينة الحديثة باعتبارها بيتًا للعلم والفضل ومهدًا للسلام والعدل؛ فباريس هنا تظهر نموذجًا للمدينة التي يشرق منها نور الثقافة على الإنسان. كما يحيل الكاتب إلى رسّامي المدرسة الانطباعية أمثال مونيه وديغا ورنوار وفان غوخ، وهم من أبرز من غيّروا النظر إلى اللون والضوء في الفنّ الحديث، ويمكن الرجوع إلى الموسوعات للتعرّف إلى سيرهم وأهمّ خصائص أعمالهم.

0 commentaires
Enregistrer un commentaire