شرح نص «فاضت الكأس» (من مسرحية مراد الثالث)
التقديم :
هذا المشهد مقتطف من مسرحية «مراد الثالث»، وهو حوار بين فاطمة وإبراهيم حول مصير الأمير مراد، بعد أن تجاوز الحد في سفك الدماء وإهانة الفئات المختلفة من الناس، فيكشف النص عن صراع حاد بين العاطفة العائلية ومنطق الحكم والعدل.
الموضوع :
مشهد حواري يجسّد اختلاف فاطمة وإبراهيم في الحكم على مراد بين عاطفة القرابة والرحمة من جهة، ومنطق الحكم والعدل من جهة أخرى، بعد أن «فاضت الكأس» بأعماله.
التقسيم :
-
عرض خلاف الرؤى حول مراد (من «لقد عجزت عن فهم دائه» إلى «لقد قتل كل نظام»)
- فاطمة تدافع عن مراد وتراه طالبًا للحق.
- إبراهيم يراه مجنونًا بالقتل والتحطيم.
-
إعلان عجز إبراهيم وقرار الرحيل (من «ألا يمكن أن نحميه منهم؟» إلى «و هل لي أن أرفض السفر؟»)
- إبراهيم يقرّ بسقوط الأمل في إنقاذ مراد.
- قرار إرساله إلى استانبول لتعبئة الينتشري.
-
إصرار فاطمة على حماية مراد وحدها (من «سافر إذن ولا تعد» إلى خروج فاطمة ودخول محمد خوجة)
- قطيعة بين فاطمة وإبراهيم.
- تصميم فاطمة على حماية مراد بنفسها، مع حضور صامت لمحمد خوجة.
الإجابة عن الأسئلة :
الفهم والتلفظ :
التلفظ والضمائر
1- استخدم كل من إبراهيم وفاطمة ضمير الجمع «نحن». حدد موطن ذلك الاستخدام. وهل تجده دليلاً على اشتراك المتخاطبين في وجهة النظر؟
استُعمل ضمير «نحن» في قول فاطمة: «لقد قلت لي يومًا إننا نستطيع إنقاذه، أنا وأنت».
يدل هذا الضمير في ظاهره على اشتراكهما في مهمة إنقاذ مراد ووحدة الجهد،
لكنه لا يعبّر عن اتفاق تام في وجهة النظر؛ إذ إن فاطمة تنطلق من عاطفة القرابة والشفقة،
بينما يتكئ إبراهيم على منطق العقل وتجربة الحكم، فيظهر لاحقًا اختلافهما رغم وحدة الضمير.
تنمية الفعل المسرحي وعلاقات الشخصيات
2- ما العمل الذي يستعد إبراهيم لإنجازه؟ وأي دور له في تصعيد الفعل الدرامي؟
يستعد إبراهيم للسفر إلى استانبول من أجل تعبئة وجق جديد من الينتشري بأمر مراد.
هذا القرار يساهم في تصعيد الفعل الدرامي لأنه يعني عمليًا تخليه عن حماية مراد وابتعاده عنه،
فيدفع فاطمة إلى المواجهة وحدها ويزيد توتر الصراع بين العاطفة والواجب السياسي.
3- تتبّع تطوّر العلاقة بين فاطمة وإبراهيم في هذا النص، وابرز أثرها في البناء الدرامي العام.
في البداية كانت العلاقة علاقة اتصال وتعاون على إنقاذ مراد، تجمعهما مسؤولية مشتركة.
ثم تحوّلت إلى علاقة انفصال ومعارضة حين تمسكت فاطمة بحمايته، بينما أعلن إبراهيم سقوط الأمل وقرّر الرحيل.
ينتهي المشهد بقولها: «سافر إذن ولا تعد»، فتبلغ العلاقة درجة القطيعة.
هذا التطور يثري البناء الدرامي لأنه يجسّد تحوّل المصالح والرؤى ويعمّق الصراع بين القيم العائلية وقيم الحكم.
الشخصية المسرحية :
صورة مراد والعلاقات المتشابكة
4- كيف تجلّت صورة مراد عند كلٍّ من فاطمة وإبراهيم؟
عند فاطمة: مراد ابن خالها، ضحية لظروف الحكم، «أراد أن يعيش بالحق»، ولم يقتل في نظرها إلا أصحاب الذنب،
فهي ترى فيه الحاكم العادل الذي أسرف في تطبيق الحق.
عند إبراهيم: مراد مجنون بالفعل، «إن أفعاله أفعال مجنون»، قتل أكثر مما يحتمله الناس،
وتحول من حامٍ للنظام إلى هادم لكل نظام أهان الفئات المختلفة وسلّط سيفه على الجميع.
5- علام انبنت علاقة فاطمة بمراد؟ وما أثرها في إكساب شخصيتها أبعادًا درامية؟
انبنت علاقتها بمراد على القرابة العائلية (ابن خالها) من جهة، وعلى الرحمة والوفاء من جهة أخرى.
هذا الارتباط جعل فاطمة تتحرك بدافع العاطفة والواجب العائلي،
فصار موقفها أكثر توترًا وعمقًا، وأكسب شخصيتها بُعدًا دراميًا إنسانيًا يرمز للضمير الحيّ في مواجهة قسوة الواقع السياسي.
6- وضّح التحوّل الذي شهدته علاقة إبراهيم بمراد.
في البداية كان إبراهيم ملتزمًا بـحماية مراد كأمير، وفي ذلك وفاء للعهد ومسؤولية سياسية.
لكن بعد أن «فاضت الكأس» وتعاظمت جرائم مراد، يتحول موقفه إلى انسحاب،
فيقول: «لقد التزمت بحماية أمير من الناس لا حمايته من نفسه».
هكذا تنتقل العلاقة من الولاء والحماية إلى الابتعاد ورفع اليد عنه،
مما يكشف مأزقًا أخلاقيًا وسياسيًا عميقًا في شخصية إبراهيم.
التوظيف الركحي والحوار :
الإشارات الركحية
7- أخبرت الإشارات الركحية بحضور صامت لمحمد خوجة الأصفر. فهل تجده مسهمًا في صنع الفعل الدرامي؟ وضّح ذلك.
دخول محمد خوجة الأصفر في هدوء وتسلّله دون أن ينتبها إليه
يرمز إلى حضور العيون الرقيبة والتجسس في القصر.
هذا الحضور الصامت يهيّئ لإمكان نقل ما يدور من حديث إلى مراد أو إلى غيره،
فيزيد التوتر ويُسهم في تصعيد الفعل الدرامي رغم صمته،
لأن الجمهور يدرك أن الحوار لم يكن في مأمن من الانكشاف.
حجاجية الحوار والقيم
* قالت فاطمة: «ألا يمكن أن نحميه منهم؟» وأجابها إبراهيم: «كان علينا أن نحميهم منه».
فيم كان من الممكن أن يُحمى مراد من الناس وأن يُحمى الناس منه؟
يمكن حماية مراد من الناس متى كان محاطًا بالنصحاء والعدل والقانون لا بالحاشية الفاسدة،
ويُحمى الناس منه إذا التزم هو نفسه حدود الشرع والقانون ولم يطلق سيفه في كل الاتجاهات.
أي إن الحماية المتبادلة لا تتحقق إلا في إطار حكم رشيد متوازن.
8- تباينت وجهتا نظر المتخاطبين حول طائفة من القيم (الحق والباطل، العهد والخيانة، الشهامة والجبن...). كيف حاول كلّ منهما الإقناع بوجهة نظره؟
فاطمة تحاجج من موقع العاطفة والقرابة والرحمة؛ فتؤكد أن مراد «لم يقتل إلا أصحاب ذنب»
وأنه أراد أن يعيش بالحق، وتُهوّن من جرائمه مقارنة بما فعله الأمراء من قبله في الحروب.
أمّا إبراهيم فيحاجج بمنطق العدل والواقع السياسي؛
فيرى أن مراد «قتل أكثر مما يحتمله الناس»، وأن «الحق لا معنى له إذا صار ضد جميع الناس»،
ولذلك يبرر تخليه عنه بأنه دفاع عن النظام والناس لا خيانة للعهد.
- ما هي مواصفات الحكم الذي لا نحتاج فيه إلى حماية الحاكم من «رعيته» ولا «الرعية» من حاكمها؟
هو حكم يقوم على العدل وسيادة القانون، واحترام حقوق الإنسان وكرامته،
وتوازن السلطات والرقابة، وشفافية القرار،
بحيث لا يطغى الحاكم على رعيته ولا تتآمر الرعية على حاكمها،
بل تقوم العلاقة بينهم على الثقة المتبادلة والمسؤولية المشتركة.
التقويم :
قال إبراهيم ردًّا على فاطمة: «لم أنقض عهدًا ولكن العهد فرط مني... لقد التزمت بحماية أمير من الناس لا حمايته من نفسه وهو اليوم رهن أعماله وسلوكه». ما صحة هذا التبرير لـ«نقض العهد»؟
تبرير إبراهيم يبدو ظاهريًا محاولة للجمع بين الوفاء والمسؤولية،
لكنه في العمق يكشف نوعًا من التخفّي وراء منطق الضرورة.
فهو يبرئ نفسه من نقض العهد بإلقاء المسؤولية كاملة على مراد،
غير أن تخليه عنه في لحظة الأزمة يمكن أن يُفهم أيضًا كنوع من الهروب من تبعات اختياراته السابقة في خدمته.
يكشف النص عن صراع بين قيم يقتضيها صلاح الحكم، وقيم تقتضيها صلة الرحم. ما القيم التي تنتصر لها في مثل هذا الموقف من المسرحية؟ علّل جوابك.
يتأرجح النص بين قيم العدل السياسي التي يدافع عنها إبراهيم،
وقيم الوفاء والرحمة العائلية التي تتمسك بها فاطمة.
أميل إلى الانتصار لقيم العدل المسؤول الذي لا يبرر الظلم ولو صدر من قريب،
مع عدم إلغاء دور الرحمة. فالحكم الصالح لا يقوم على القرابة والعاطفة،
بل على ميزان الحق، مع بقاء الرحمة قيمة إنسانية توجه طريقة تطبيق هذا الحق.
الاحتفاظ ب : علاقات الشخصيات والقيم في المسرح
يبرز هذا المشهد أن علاقات الشخصيات في العمل المسرحي ليست ثابتة؛ فقد تبدأ اتصالاً وتعاونًا (كما بين فاطمة وإبراهيم في حماية مراد)، ثم تتحوّل إلى انفصال ومعارضة مع تغيّر المواقف والرؤى. كما يبيّن النص كيف يُبنى الصراع الدرامي على تعارض منظومات القيم (الرحمة / العدل، القرابة / المصلحة العامة) مما يمنح الشخصيات عمقًا دراميًا ويجعل المسرحية مرآةً للتجربة الإنسانية المعقّدة.

0 commentaires
Enregistrer un commentaire