شرح نص فخر السودان على البيضان
التقديم :
نصّ «فخر السودان على البيضان» مأخوذ من رسائل الجاحظ، وهو من النثر الحِجَاجي الذي يعالج فيه الكاتب نظرة العرب إلى الزنج، فيدافع عنهم بمنزع عقليّ نقديّ، معتمدا القياس والمقارنة والبرهان لتفنيد أحكام عنصرية جاهزة.
الموضوع :
يدفع الجاحظ عن الزنج تهمة السخاء الناتج عن ضعف العقل، فيُبطل هذا التعليل بالقياس والمقارنة، مؤكِّدًا أن السخاء وسائر الفضائل هباتٌ من الله لا علاقة لها بنقصان العقل.
التقسيم :
-
من «قالوا: والناس مجمعون…» إلى «لضعف عقولهم» : عرضُ رأي الخصوم في سبب سخاء الزنج.
-
من «فقلنا لهم…» إلى «بالقياس الصحيح» : تفنيدُ هذا الرأي بسلسلة من الأمثلة والمقارنات (الصقالبة، الروم، النساء، الصبيان).
-
من «وهذا القول يوجب…» إلى النهاية : بيان النتائج الفاسدة لذلك الرأي، وإثبات أن العقل والسخاء والشجاعة هبات إلهية.
الإجابة عن الأسئلة :
الفهم والتحليل :
1- يتكوّن النص من: أطروحة الخصم القائلة إن سخاء الزنج ناشئ عن ضعف عقولهم، وأطروحة الجاحظ الرافضة لذلك، ثم حجج مبنية على القياس والمقارنة، فخاتمة تؤكد أن الفضائل مواهب لا تُفسَّر بنقص العقل.
2- الفقرة المضافة بعد «بالقياس الصحيح» تُوسّع الحجاج بذكر لوازم رأي الخصم (أن الجبان أعقل من الشجاع والجزوع أعقل من الصبور)، فتُظهر سخافة قوله. ولو قُدِّمت في النص لما تغيّر جوهر البناء، لكن يضيع تدرّج الحجاج من التفنيد إلى بيان نتائجه الفاسدة.
3- طرفا الحوار هما: القائلون بضعف عقل الزنج، والجاحظ المدافع عنهم. نصيب الخصم من التلفّظ قليل مقتضب، أمّا كلام الجاحظ فهو أطول وأغزر، مما يدلّ على هيمنته على النقاش وتفوّقه الحِجَاجي.
4- من معجم الحجاج: «قالوا»، «فقلنا لهم»، «بِئس ما أثنيتم»، «على قياس قولكم»، «قد رأينا»، «فكيف صار»، «إدحاض حجّتكم»، «لا حجة لكم». هذا المعجم يبرز الطابع الجدلي العقلي للنص، القائم على عرض قولٍ ونقضه بالبرهان.
5- من صيغ التفضيل: «أعمّ»، «أغلب»، «أبخل»، «أبعد رؤية»، «أشدّ عقولاً»، «أضعف عقولاً»، «أكرم الناس خصالاً»، «أكذب الناس»، «أشره الناس»، «أقلّ الناس»، «أقسى الناس». وهي تبيّن اعتماد الجاحظ على المقارنة بين الناس والطبائع لإبراز تهافت تعليل الفضائل بضعف العقل.
6- تظهر قوة لهجة الخطاب في أساليب مثل: «بِئس ما أثنيتم»، «فقلنا لهم»، «فكيف صار…؟»، «ما لا يُعرف»، «لا حجة لكم»، «لا نعلم في الأرض شراً من صبي»، وكلها صيغ حاسمة واستفهامات إنكارية تشدّد على رفض رأي الخصم.
7- دحض الجاحظ حجج الخصم بالقياس الصحيح حين بيّن أنه لو كان ضعف العقل سبب السخاء لكان الصقالبة أسخى من الروم، ولصارت النساء أسخى من الرجال، ولوجب أن يكون الصبي أحسن الناس خصالاً، بينما الواقع يثبت خلاف ذلك، فيسقط التعليل من أساسه.
8- الخلاف لم يكن حول ثبوت سخاء الزنج، بل حول تفسير سببه؛ أي هو خلاف في تأويل الأطروحة لا في أصلها. حجج الجاحظ ترجع في جوهرها إلى حجة واحدة هي «القياس» بين الحالات المختلفة لإبراز تناقض قول الخصم مع الواقع.
10- يتجلّى المنزع العقلي في اعتماد الجاحظ على القياس المنطقي، والمقارنة بين الأقوام والفئات، وربط النتائج بالمقدّمات، ونقد الأحكام الجاهزة اعتماداً على الملاحظة والتجربة، بعيداً عن العاطفة والتحامل.
النقاش :
وُفِّق الجاحظ في معالجة القضية اجتماعيًا وأخلاقيًا بمنهج عقلي، إذ واجه النزعة العنصرية بالحجة والبرهان. ورغم أنه استجاب لطلب من أراد منه كتاب «مفاخر السودان»، فإنّ في رسالته مقصدًا أوسع هو الدفاع عن الكرامة الإنسانية ونقد الأحكام المبنية على اللون والنسب.

0 commentaires
Enregistrer un commentaire