شرح نص العقل هو الحجة
التقديم :
نصّ «العقل هو الحجة» مقطع من كتاب «الحيوان» للجاحظ، وهو نصّ حِجاجيّ فكريّ يعالج مسألة الخير والشرّ وعلاقة ذلك بحكمة الله في خلقه وبمقام العقل عند الإنسان، وينتمي إلى المنزع العقلي في الأدب العربي القديم وإلى الفكر الاعتزالي خاصّة.
الموضوع :
يبيّن الجاحظ أنّ امتزاج الخير بالشرّ في الكون ضرورة لتحقيق المصلحة والابتلاء والتفاضل بين الناس، وأنّ العقل هو الأداة التي يُدرك بها الإنسان هذه الحكمة فيميّز بين الظاهر والباطن.
التقسيم :
-
من بداية النص إلى «ولا شكر على محبوب ولا تفاضل في بيان ولا تنافس في درجة» :
- بيان ضرورة امتزاج الخير بالشرّ وآثار زوال أحدهما في سقوط المحنة والفكرة والتمييز.
-
من «ولو كان ذلك لبطلت ثمرة التوكل على الله تعالى» إلى «ولعدمت الأشياء حظوظها وحقوقها» :
- توضيح ما يترتّب على هذا الامتزاج من ثمرة التوكّل واليقين بالله، وفساد النظام إن جرى على هوى الجاهل.
-
من «فسبحان من جعل منافعها نعمة» إلى نهاية النص :
- تأكيد حكمة الله في اختلاف المخلوقات، والتنبيه إلى أنّ الميزان الحقّ هو العقل لا الحواس، والتصريح بأنّ العقل هو الحجة.
الإجابة عن الأسئلة :
الفهم والتحليل :
البنية الحجاجية
1- الأطروحة: امتزاج الخير بالشرّ ضرورة لمصلحة الخلق. سيرورة الحجاج: يقدّم فرضيات شرطية ومقارنات وأمثلة من الحياة والطبيعة، ويفكّك نتائج زوال الشرّ أو الخير. النتيجة: اختلاف الأشياء وتداخل النفع والضرّ من تمام حكمة الله، والعقل هو المعيار لفهم ذلك.
2- توجد في النص مواجهة ضمنية بين من يتوهّم وجوب صفاء العالم من الشرّ وبين رأي الجاحظ الذي يدافع عن ضرورة الامتزاج. اعتمد أسلوب الاستفهام والشرط والحجج العقلية، ممّا يحمل المتقبّل على الاقتناع بأنّ موقفه أمتن وأقرب إلى المنطق.
امتزاج الخير بالشرّ
3- بنى الجاحظ دفاعه على بيان ما يضيع بزوال الشرّ: تنتفي المحنة، وتتعطّل الفكرة، ويسقط التمييز والثواب والعقاب والتفاضل بين الناس. لذلك اعتبر امتزاج الخير بالشرّ أمراً ضروريّاً لقيام الحياة الأخلاقية والفكرية ولتحقّق الحكمة الإلهية.
4- تكرار تراكيب الشرط بـ«لو» و«من» يبيّن بالتدرّج نتائج كلّ فرض، فيحوّل الاحتمال إلى برهان عقليّ يقنع القارئ، أمّا الاستفهام بـ«فأين» فيُستعمل للتقريع والتشكيك في الحكم الظاهريّ على الأشياء ودفع المتقبّل إلى مراجعة نظره.
طابع الحجج وخطاب العقل
5- الحجج في النص تحليليّة؛ فهي تفصّل الأطروحة إلى عناصر: المحنة، الفكرة، التمييز، التوكّل، التفاضل، وتبيّن علاقة كلّ عنصر بوجود الخير والشرّ، وبذلك تتحوّل الفكرة العامّة إلى شبكة من العلل والنتائج المترابطة.
6- يغلب على النصّ خطاب تعليميّ يشرح ويعلّل ويوجّه، وهو ما يخدم الحجاج لأنّ الإقناع يمرّ عبر التوضيح والتبيين. للعقل فيه منزلة محوريّة؛ من العبارات الدالّة: «لكلّ مختبر ومختار ولأهل العقول والاستطاعة»، «فلا تذهب إلى ما تريك العين واذهب إلى ما يريك العقل»، «وللأمور حكمان… والعقل هو الحجة». الغاية تنبيه القارئ إلى ترك الحكم الحسّي والرجوع إلى الحكم العقليّ.
7- يشير النصّ إلى أصول المعتزلة في تقديم العقل والقول بالحسن والقبح العقليّين، وبالتخيير ومسؤولية الإنسان عن أفعاله: «ومتى ذهب التخيير ذهب التمييز»، وإلى القول بحكمة الله وعدله في خلق الخير والشرّ معاً، وأنّ التفاضل يكون باليقين والعقل لا بالمظهر الحسّي.
النقاش :
– يمكن للعقل أن يكون حُجّة في مثل هذه المسائل الكلاميّة لأنّه أداة الفهم والتعليل واكتشاف الحكمة في النظام الكونيّ، غير أنّه يحتاج إلى هدي الوحي حتّى لا يزيغ أو يضلّ، فيتكامل العقل والنقل ولا يتعارضان.
– قول الجاحظ «لو كان الخير محضًا سقطت المحنة وتقطّعت أسباب الفكرة» وجيه؛ فبغياب الشرّ يسقط الامتحان ولا يبقى مجال للصبر أو المجاهدة أو الاختيار الحرّ، فتفقد الحياة معناها الأخلاقيّ. وجود الشرّ في حدود معيّنة هو الذي يوقظ الفكر، ويجعل الإنسان يختار بين طرق متعدّدة، فيسمو أو ينحدر، وبذلك يتحقّق معنى المسؤولية والثواب والعقاب.

0 commentaires
Enregistrer un commentaire