dimanche 2 novembre 2025

تعريف الكاتب محمود عوض

تعريف الكاتب محمود عوض

محمود عوض (28 ديسمبر 1942 – 28 أغسطس 2009) واحد من أبرز الأصوات الصحفية في مصر والعالم العربي، وصاحب أسلوب خاص جمع بين عمق الفكر وأناقة التعبير وجرأة الموقف. وُلد في مدينة طلخا بمحافظة الدقهلية، ونشأ محبًا للقراءة، عاشقًا للكلمة، مؤمنًا بأن الصحافة ليست فقط نقلًا للحدث، بل صناعة للوعي وخلقٌ لنبض فكري يصاحب الناس في تفاصيل حياتهم.

1- النشأة والدراسة

منذ صغره، كان محمود عوض يهرب إلى الكتب كما يهرب العطشان إلى الماء، حتى كادت قراءاته المتواصلة أن تُبعده عن النجاح الدراسي لولا عهد قطعه لوالده بأن يكون تلميذًا متفوقًا. كان الوالد مؤمنًا بابنه، وجاءته رسالة تشجيع من وزير التعليم آنذاك كمال الدين حسين، مرفقة بشيك تحفيزي، فشعر بأن المستقبل بدأ يفتح ذراعيه لذلك الفتى الحالم.

التحق بكلية الحقوق، لكن قلبه كان مع الصحافة والأدب. فجمع بين دراسته الجامعية وشغفه بالكلمة، فالتحق بمؤسسة «أخبار اليوم»، وهناك بدأت رحلته الحقيقية مع الصحافة، رحلة امتدت حتى صار واحدًا من أبرز أقلام الجيل.

2- المسيرة الصحفية

رفض عوض العمل بالنيابة بعد تخرجه عام 1964، مؤمنًا بأن مملكته الحقيقية هي عالم الصحافة. وبعد ثماني سنوات فقط أصبح نائبًا لرئيس تحرير «الأخبار»، وهو لم يجاوز الثلاثين عامًا، في إنجاز نادر في تاريخ الصحافة المصرية.

احتضنه الكاتب الكبير إحسان عبد القدوس، الذي رأى فيه موهبة استثنائية، ومنحه لقب "عندليب الصحافة المصرية". وتجلّت ثقة إحسان فيه حين كلفه بكتابة الصفحة الأخيرة بدلًا من أنيس منصور الذي تأخر عن تسليم مقاله. فكتب عوض مقالاً عن أم كلثوم أشعل الساحة الصحفية، وأثار إعجاب القراء وغضب بعض كبار الكتاب.

كتب عوض سلسلة «شخصيات»، التي أصبحت علامة فارقة في الصحافة الثقافية، حيث حاور رموز الفكر والفن والسياسة بأسلوب جديد يجمع بين الذكاء والرهافة والجرأة.

وكان الصحفي العربي الوحيد الذي حضر صدور قرار الأمم المتحدة 242 عام 1967، كما شهد أحداثًا سياسية كبرى، بينها محاولة انقلاب الجنرال محمد أوفقير في المغرب.

3- علاقته بالمشاهير والفكر الإنساني

اقترب عوض من الكبار ولم يذُب فيهم؛ جلس مع طه حسين وتوفيق الحكيم، وتحاور مع كبار الفنانين مثل أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب، دون أن يفقد استقلاله الفكري. كتب عنهم كتبًا صارت مراجع لا تُنسى، منها:

"أم كلثوم التي لا يعرفها أحد"
"محمد عبد الوهاب الذي لا يعرفه أحد"

وكان اقترابه من النجوم نتيجة إحساسهم بأنه لا يكتب للإطراء، بل للحقيقة. حتى عندما حاول البعض الاعتراض على عناوينه، كانت أم كلثوم نفسها تُقر عبقريته احترامًا لصدقه وجمال أسلوبه.

4- مواقف ومبادئ

تعرض محمود عوض للمنع من الكتابة في مصر؛ لكنه لم ينحنِ، وكتب في صحف عربية، ثم تولى رئاسة تحرير جريدة «الأحرار» عام 1986. وخلال ثلاثة أشهر فقط، رفع توزيعها من ثلاثة آلاف نسخة إلى ما يقارب 160 ألف نسخة. لكن استقلاليته وعدم خضوعه لأي تيار سياسي عجّلت بإجهاض التجربة.

حين عُرض عليه الانضمام لأحزاب أو حركات سياسية، رفض قائلاً عبارته الشهيرة:

"أنتم تريدون حكم مصر… أما أنا فلا أود حتى أن أحكم شارعنا."

ظل وفيًّا للكلمة الحرة حتى آخر أيامه، رافضًا أن يكون تابعًا أو صوتًا لغير ضميره.

5- مؤلفاته

ترك محمود عوض أكثر من خمسة عشر كتابًا، من بينها:

أفكار ضد الرصاص (1972)
ممنوع من التداول (1972)
سري جدًا (1974)
متمردون لوجه الله (1986)
أم كلثوم التي لا يعرفها أحد (1987)
محمد عبد الوهاب الذي لا يعرفه أحد (1991)
بالعربي الجريح (2006)
من وجع القلب (2007)
شخصيات (2009)

كانت كتبه شبيهة به، جريئة، شفافة، مشعة بالإنسانية والوعي.

6- النهاية والإرث

رحل محمود عوض في 28 أغسطس 2009، بعد صراع مع المرض. اكتُشف رحيله مصادفة حين لم يحضر موعده مع الطبيب. غادر في هدوء كما تحترق شمعة في صمت بعد أن أضاءت طريقًا طويلًا.

لكن ما تركه لم يمت: مقالات، كتب، مواقف، وذاكرة من الجرأة والصدق والإبداع ستظل تعلّم الأجيال أن الصحافة رسالة، وأن الفكر الحر لا يُروّض.

الخاتمة

كان محمود عوض صحفيًا بوهج شاعر، ومثقفًا بروح مقاتل، وإنسانًا لم يبدّل قلمه بامتياز ولا موقفه بسلطة. عاش للكلمة ومات معها، وبقي أثره حيًا حيث يبقى كل صوت صادق لا يخضع ولا ينكسر.

0 commentaires

Enregistrer un commentaire