موضوع حجاجي حول محور العمل - تاسعة اساسي
الموضوع
أنهى أخوك دراسته الجامعية، غير أنّه لم يجد بعد الوظيفة التي يحلم بها، فصار يقضي معظم وقته نائمًا أو جالسًا في المقاهي منتظرًا عملاً يوافق شهادته، رافضًا كلّ عمل آخر يقلّ عن مستوى طموحاته. وقد أدى هذا الوضع إلى توتر داخل الأسرة وتعكّر الأجواء في البيت، فحاولت إقناعه بضرورة السعي إلى أي عمل شريف، ولو لم يكن في اختصاصه، مبيّنًا له مخاطر البطالة وآثارها السلبية، ومبرزًا مزايا العمل وأثره الإيجابي على الفرد والمجتمع.اكتب نصًا حجاجيًا تذكر فيه الحجج التي اعتمدتها لإقناع أخيك، وبيّن تأثير كلامك فيه.
التحرير
لا يخفى على أحد أنّ الحياة طريق طويل مليء بالتحديات، وأنّ النجاح ليس هدية تُهدى لمن يتمنى، بل ثمرة تُقطف فقط لمن يسعى ويجتهد. كثيرًا ما نرى شبابًا أنهوا دراستهم وعلقت قلوبهم بآمال كبرى، ثم اصطدموا بواقع صعب لا يعرف المجاملة، فيفقد بعضهم الأمل ويستسلم للبطالة واليأس، بينما يتشبث آخرون بالصبر والعمل مهما كانت البداية بسيطة. وهكذا كان حال شقيقي الذي اعتقد أنّ الحياة ستفتح ذراعيها له مباشرة بعد الحصول على الشهادة، فإذا به يجد الأبواب موصدة، ويقضي أيامه بين النوم والمقاهي ينتظر وظيفة "تليق" بمستواه، رافضًا كلّ عمل لا ينسجم مع طموحه الجامعي. عندها أدركت خطورة الموقف وقررت أن أتدخل لأقنعه بقيمة العمل وأهمية السعي وعدم الاستسلام للبطالة.دخلت عليه ذات صباح، فوجدته يستعدّ كعادته للذهاب إلى المقهى، يتأوه من الملل ويشتكي من قسوة الحظ. ابتسمت وجلست أمامه وقلت:
"أخي العزيز، دعني أحدثك صراحة… إنّ أجمل أيام العمر تمضي من بين أصابعك، وأنت تُهدرها في الانتظار. إنّ العمل — أيًّا كان شرف وقيمة، وهو قارب النجاة الوحيد وسط أمواج الحياة المتلاطمة. فليس النجاح أن نجد وظيفة جاهزة، بل أن نصنع طريقنا بأيدينا".
"أما علمتَ يا أخي أنّ البطالة ليست راحة كما يظن البعض؟ بل هي فراغٌ ثقيل يُتعب الروح قبل الجسد، ويهدم ما يبنيه العلم من أحلام. إنّها باب خفيّ للفوضى الفكرية والاضطراب النفسي؛ فمن طال فراغه طال قلقه، ومن غاب عن ميادين العمل خمدت عزيمته وتكسّلت نفسه. ألا ترى أخبار الشباب الذين كانوا مثلك، مفعمين بالطموح، ثم تسلّل إليهم اليأس شيئًا فشيئًا؟ استسلموا للفراغ، فصاروا يلجؤون إلى اللهو المفرط، وإضاعة الوقت، ثم ينحدر بعضهم إلى رفقة السوء، فالقمار، والمخدرات، والانحراف، وربما إلى طرق محرّمة !
يا أخي، البطالة لا تحفظ الكرامة، بل تسرقها بصمت. والعمر يمضي، والطموحات تذبل إذا لم تُسقَ بالجدّ والسعي. فلتكن واعيًا، ولا تجعل الانتظار يلتهم عمرك، فالعمل ـ أيًّا كان ـ خير من الجلوس على مقعد الشكوى، وهو باب للخبرة، وبذرة للنجاح، ودرع يحمي النفس من الانكسار والضياع."
ورحت أُقدّم له الأمثلة التي تُبصره بحقيقة الأمر:"أنظر إلى الفلاح الذي ينهض قبل طلوع الشمس، يحرث الأرض ويتصبّب عرقًا، لكنه يعود آخر اليوم مبتسمًا راضيًا لأنه كسب رزقه بجهده. وانظر إلى النملة الصغيرة، لا تتّكل على غيرها، بل تخزن قوتها رغم ضعفها. فكيف ترضى لنفسك أن تكون أقل عزيمة من حشرة؟"
ولأنّي أعلم أنّ قلبه معلّق بتعاليم ديننا الحنيف، ذكّرته قائلًا:
اقتربت منه وقد امتلأ صوتي دفئًا وصدقًا، وقلت له:
"يا أخي، لقد تعِب أبونا سنين طويلة حتى أوصلنا إلى ما نحن عليه اليوم، وكان يبدأ عمله مع أول خيط للفجر دون أن يشتكي أو ينتظر الظروف المثالية. ونحن اليوم نحمل راية هذه العائلة و الوطن كذلك ، ولا يليق بنا أن نترك تعب السنين يضيع لأننا نخشى البداية المتواضعة. فكل طريق عظيم يبدأ بخطوة صغيرة، وكل رجل ناجح كان يومًا مبتدئًا يخطئ ويتعلم ثم ينهض أقوى. فلتكن شجاعًا، ولنبنِ مستقبلك بيديك بدل أن نترك الأيام تسرق أحلامنا ونحن جالسون نراقب".
"ربما كنتُ أهرب من الواقع… لكن كلامك أيقظني. سأحاول، وسأبدأ من جديد ولو كان الطريق صعبًا". في تلك اللحظة شعرت وكأنّ شعاعًا من الأمل أشرق في وجهه، وكأنّ الحياة عادت تدب في روحه من جديد.

0 commentaires
Enregistrer un commentaire