شرح المقامة الوصية
التقديم :
«المقامة الوصية» نص نثري من مقامات بديع الزمان الهمذاني، يعرض فيه أبو الفتح الإسكندري وصاياه لابنه قبل سفره للتجارة، فيمزج بين أسلوب الوعظ الجاد وروح السخرية من عبودية المال وشهوة الكسب.
الموضوع :
تعرض المقامة وصايا أبي الفتح الإسكندري لابنه التاجر في شأن الدين والخلق والمال، في إطار ساخر يفضح التعلق المفرط بالثروة.
التقسيم :
-
التمهيد للوصية: حمدُ الله والصلاةُ على الرسول، وبيانُ خوف الأب على ابنه رغم ثقته بعقله.
-
الوصايا الدينية والأخلاقية: الحث على الصوم والنوم لضبط النفس، والحذر من النفس والشيطان والشهوة.
-
الوصايا الاقتصادية والتجارية والخاتمة: النهي عن الإسراف والكرم المفرِط، والتشديد على الإنفاق من الربح فقط، ثم ختم الوصية بالتفويض إلى الله.
الإجابة عن الأسئلة :
الفهم :
وضعية التلفظ
1- بيّن وضعيّة التلفظ في هذه المقامة.
المتكلِّم أبو الفتح الإسكندري، يخاطب ابنه قبل سفره للتجارة في صيغة وصية مباشرة،
يذكر فيها نفسه وزوجته وابنه، وهدفه النصح والتحذير.
تعليم وحجاج
2- استخرج ما يدل على نزوع الخطاب فيها منزعًا تعليميًا.
من ذلك قوله: «فاستعن عليهما نهارك بالصوم وليلك بالنوم»،
وقوله: «فلا تنفقن إلا من الربح، وعليك بالخبز والملح»؛
فهي أوامر ونواهٍ تقرِّر قواعد سلوكية عملية.
3- ما وسائل المتكلم في هذا النص إلى إقناع مخاطبه بوجاهة أفكاره؟
استعمل أسلوب الأمر والنهي، والأمثال والتشبيهات
مثل تشبيه الكرم بالسوس في المال، مع الاستناد إلى التجربة والخبرة،
مما يقوّي حجته في نظر ابنه.
4- من أين انتزع أبو الفتح الإسكندري حججه؟ وأي نظام اختاره في عرضها؟
انتزع حججه من التجربة الحياتية والتجارة، ومن الحكمة الشعبية والدين.
وعرضها في شكل وصايا متسلسلة تبدأ بالديني ثم الأخلاقي فالمالي،
في ترتيب منطقي متدرّج.
5- ما الذي يجعل الفن في هذه المقامة محاكاة ساخرة؟
لأنها تقلّد أسلوب الوصية الجادة وألفاظ الوعظ،
لكنها تبالغ في حساب الربح والخسارة وتُظهر أبًا شديد البخل،
فينشأ من هذا التقليد الجادّ في سياق هزلي طابعُ السخرية.
6- إلام يقصد بديع الزمان الهمذاني بكتابة مقامة على شكل وصية؟
يقصد استثمار شكل الوصية الذي يوحي بالجدّ والوقار
ليبني عليه مفارقة ساخرة، فيجمع بين الإفادة والتسلية
وينقد بعقلية التاجر البخيل في ثوب الناصح الأمين.
التقويم :
* ألا يمكن اعتبار هذا النص أقرب إلى نوادر البخلاء منه إلى المقامة؟ علّل.
هو يقترب من نوادر البخلاء لانشغاله الشديد بالمال
والنهي عن الكرم والإنفاق، غير أنّ بنية السرد
القائمة على الراوي وأبي الفتح والابن تجعل منه مقامة فنية
تتجاوز مجرد النادرة المفردة.
* ما رأيك في مفهوم الإسكندري للتجارة ورأس المال؟
يرى الإسكندري أن التجارة تقوم على الشدّة والاقتصاد
وألا يُنفَق إلا من الربح، وهو مفهوم يقي من التبذير
لكنه يميل إلى البخل ويغلب عليه الهاجس المادي.
* إلى أي مدى يتوافق ذلك مع مفهوم الكثيرين في جميع العصور؟
يتفق مع ما يراه الناس من ضرورة حفظ المال وعدم تضييعه،
لكنه لا ينسجم مع قيم الكرم والتكافل التي تشارك
في بناء العلاقات الإنسانية عبر العصور.
* هل تجد المقامة، وهي من أدب الهزل، مكتفية بالضحك واللهو هدفًا؟ علّل.
لا، فإلى جانب الإمتاع والضحك تكشف المقامة
عن نقد لاذع لجشع التجّار وعبودية المال،
وتدعو ضمنًا إلى التوازن بين الكسب والكرم،
فهي أدب هزل يحمل في طيّاته معنى اجتماعيًا وأخلاقيًا.
الاحتفاظ ب :
الجنس الأدبي: المقامة جنس نثري يجمع بين السرد والحوار، يعتمد راوٍ ثابتًا وبطلًا متكررًا، ويتوسل السجع والتلاعب اللفظي والغرابة لطرح قضايا اجتماعية في صيغة فكاهية.
المحاكاة الساخرة: هي تقليد لنصّ جادّ أو شكل جادّ كالوَصية أو الخطبة في سياق هزلي، مع التصرف في معانيه بما يفضح تناقضات المجتمع؛ وهذا ما فعله الهمذاني حين حوّل وصية الأب لابنه إلى مرآة تسخر من عقلية البخل والحرص المفرِط على المال.
التوظيف :
يبيّن قول الناقد عادل خضر إن «بلاغة الكلام بلاغتان: إحداهما للجد والأخرى للهزل» أن الأدب يجمع بين بلاغة التعليم والتربية وبلاغة السرور والضحك. والمقامة الوصية مثال واضح على هذا التداخل، إذ تستعمل لغة الوعظ الجاد لتوليد أثر ساخر ممتع، فتدفع الملل عن القارئ مع الاحتفاظ برسالة نقدية واضحة.

0 commentaires
Enregistrer un commentaire