شرح قصيدة تمثال السياب
التقديم :
قصيدة «تمثال السيّاب» للشاعر التونسي منصف الوهايبي من شعر التفعيلة الحديث، يستحضر فيها تمثال بدر شاكر السيّاب على شاطئ البصرة ليتأمل علاقته بالنخل والنهر وبمدينته الجريحة، وقد كتب النص بين البصرة والقيروان في خريف 1982.
الموضوع :
يتأمل الشاعر تمثال بدر شاكر السيّاب في البصرة ليرمز به إلى خلود الشاعر ورسالة الشعر في مواجهة الموت والخراب.
التقسيم :
-
المقطع الأوّل من «ظهره للنخل والنهر…» إلى «ورثيث الأكفنة»
- رسم صورة التمثال في مواجهة البصرة، وحركة الريح والطلقة وصرخة الطفل واحتراق الخصب في الأرض.
-
المقطع الثاني من «تمثال السياب…» إلى «زهرة أو يرقة»
- أغنية على لسان السيّاب؛ حديثه عن جسده المصنوع من الطين والماء، ونداؤه للنخلة المحترقة لتمتزج بجسده.
-
المقطع الثالث من «وغدًا يسرقني الموت…» إلى نهاية القصيدة
- تأمل في الموت والخلود، صورة «كيس العظام»، امتلاء العينين باللغة الخرساء، والتكرار الختامي لبيت «ظهره للنخل والنهر…» مع التحديد المكاني والزماني (البصرة – القيروان، خريف 1982).
الإجابة عن الأسئلة :
الفهم :
تأليف وتوقيع
1- مميّزات المقاطع وترابطها:
المقطع الأوّل يرسم المشهد الخارجي: تمثال السيّاب واقفًا بظهره للنخل والنهر وبينهما الطلقة والطفل والنسغ الذي يبحث عن الحياة في رماد الأرض. المقطع الثاني يحوّل التمثال إلى كائن حيّ يتكلّم بلسان السيّاب نفسه. أمّا المقطع الثالث فيركّز على مشهد الموت والخلود وخاتمة القصيدة. وما يشدّ هذه المقاطع إلى بعضها هو حضور السيّاب الدائم، وارتباطه بأرضه، والتوتّر بين الحياة والموت.
2- التصرف في تفعيلة «فاعلاتن»:
اعتمد الوهايبي تفعيلة «فاعلاتن» لكنّه لم يلتزم بنظام الشطرين الخليلي، فطوّل الأسطر أو قصرها بحسب الانفعال، ووزّع الكلمات على أسطر قصيرة، واستثمر السكتات والتكرار، فصار الإيقاع مرنًا قريبًا من النثر الموزون ومن نبرة التأمّل والحزن.
3- عناصر الإيقاع الخاص في النص:
تولّد الإيقاع من تفعيلة حرّة تتكرر دون التزام صارم، ومن الترديد اللافت لعبارة «ظهره للنخل والنهر… وعيناه لوجه البصرة المنتظرة»، ومن تعاقب الجمل الطويلة والقصيرة، إضافة إلى كثافة الأصوات والصور (الريح، الطلقة، الطفل، الجمر، العوسج…) التي تمنح النص نغمة حزينة متوترة.
الرمز والدلالة
4- دلالة النخل والنهر:
يقدَّم النخل والنهر بوصفهما الإطار الطبيعي الثابت الذي يقف فيه التمثال؛ فالنخلة ترمز إلى الأرض العراقية والخصب والجذور، والنهر يرمز إلى الحياة والجريان والتجدّد. وهما معًا يرمزان إلى الوطن الحيّ الذي يحيط بالسيّاب ويحفظ ذاكرته رغم موته.
5- ما يدلّ على ظروف إنتاج النص:
تُلمّح عبارة «البصرة – القيروان، خريف 1982» إلى زمنٍ عربيّ مثقل بالحروب، كما أن حضور الطلقة، وصرخة الطفل، واحتراق الخضرة، والبحث عن الحياة في رماد الأرض، كلّها صور توحي بجوّ العنف والدمار الذي كان يطبع المرحلة التاريخية التي كُتبت فيها القصيدة.
6- المعاني الإنسانية في النص:
يحمل النص معاني إنسانية عدّة؛ منها الوفاء لشاعرٍ راحل، والإيمان بخلود الكلمة الشعرية، والتعلّق بالوطن رغم الألم، والتعاطف مع ضحايا الحروب من أطفال وأرضٍ محروقة، ثمّ الإحساس العميق بوحدة مصير الإنسان العربي وتواصُل المبدعين عبر الأجيال والأمكنة.
التوظيف :
1- تفسير تغنّي الوهايبي بالسيّاب:
كما تغنّى بدر شاكر السيّاب في نصّ سابق بغارسيا لوركا الشهيد، يغنّي الوهايبي هنا بالسيّاب؛ لأنّ هذا الأخير صار هو نفسه رمزًا للشاعر الملتزم الذي أنهكته المرض والحرب والمنفى. وهكذا يتحوّل السيّاب إلى «رمز من رموز الإبداع» يلهم شعراء الحداثة العرب كما ألهمهم لوركا من قبل.
2- نظرة شعراء الحداثة لرسالتهم:
يُفهم من مضمون النصين أن شعراء الحداثة لا يرون الشعر ترفًا لغويًا، بل رسالة إنسانية وأخلاقية؛ فالشاعر عندهم شاهد على عصره، وصوتٌ للمقهورين، وحارسٌ للجمال والحرية في وجه العنف والموت. لذلك يحتفون برموز مبدعين دفعوا ثمن مواقفهم من حياتهم نفسها.
التقويم :
1- أغنية على لسان السيّاب: شكلًا ومضمونًا:
شكلًا، يأتي الجزء الثاني من القصيدة بصيغة المتكلّم، فيبدو كأن السيّاب نفسه يتكلّم من داخل التمثال، محافظًا على بنية التفعيلة الحرّة ونبرة المناجاة الداخلية. ومضمونًا، يعلن السيّاب امتزاج جسده بالطين والماء وبالنخلة المحترقة، أي بالأرض والوطن، وهي صورة تنسجم مع شخصيته الحقيقية التي ربطت بين جسده المريض والأرض العراقية والمطر والخصب في معظم قصائده.
2- الكتابة بين البصرة والقيروان في خريف 1982:
الإشارة إلى مدينتين متباعدتين في فصل واحد لا تبدو مبالغة، لأنّ الشعر يزيل الحدود الجغرافية؛ فالوهايبي يعيش في القيروان لكنّه يحمل همّ البصرة والعراق، ويجعل من السيّاب جسرًا يربط بين المدينتين. إنها طريقة فنية للتعبير عن وحدة الوجع العربي وعن قدرة الخيال الشعري على جمع أمكنة متباعدة في لحظة شعورية واحدة.
الاحتفاظ ب :
من مصادر إلهام شعراء الحداثة الأعلامُ الرموزُ في الإبداع الفني، وخاصة المنكوبين الذين حالت المآسي دون مواصلة أدائهم لرسالتهم في الوجود.
والشاعر الحديث حريص على التخطيط لإنتاجه، وصنعه وتجويده، ولا يعوِّل كثيرًا ولا قليلًا على البداهة والارتجال و«فيض الخاطر».

0 commentaires
Enregistrer un commentaire