شرح قصيدة سأصير يوماً ما أريد
التقديم :
قصيدة «سأصير يوماً ما أريد» مقطع من «الجدارية» لمحمود درويش، تمثّل حواراً وجودياً مع الذات على تخوم الموت، وفيها يتأمل الشاعر معنى الأنا والغياب والخلود، معتمداً الرؤيا والحلم والأسطورة للتعبير عن إصراره على التحقق عبر الشعر.
الموضوع :
يتأمل الشاعر في هذاه القصيدة مصيره ووجوده، معلناً إصراره على أن يصير ما يريد رغم العدم والموت، وأن يحقق ذاته الخالدة عبر الرؤيا والشعر والإبداع.
الإجابة عن الأسئلة :
الفهم :
التلفظ
1- إذا كان المتكلّم في هذا النص واضحاً فمن المخاطَب؟ وماذا نستنتج من عدم وجود مؤشرات في الكلام دالة عليه؟
المتكلّم هو الشاعر نفسه، أمّا المخاطَب فغير معيَّن صراحةً، ما يدلّ على أنّ الخطاب موجَّه
إلى الأنا الباطنيّة وإلى الإنسان عموماً، فيكون الكلام حواراً داخلياً يصلح لكل قارئ.
نظام وإيقاع
2- مقاطع النص ستّة، فما وظيفة المقطعين الأوّلين؟ وعلى ماذا أقام الشاعر المقاطع الأخرى؟
المقطعان الأوّلان يقدّمان حالة الوعي بالموت والوقوف على «باب القيامة» وما يرافقه من حيرة واغتراب.
أمّا المقاطع الأخرى فبنيت على الرؤيا والتحوّل، حيث يتخيّل الشاعر نفسه فكرةً، طائراً، شاعراً وكرمةً،
مؤكِّداً وعده المتكرر: «سأصير يوماً ما أريد».
3- لاحظ في كامل النص مدى احترام الشاعر عند تحديده للأسطر الشعرية لوحدة التركيب النحوي واكتمال مكونات التفعيلة. ماذا تستنتج من ذلك؟
نحسّ بانضباط واضح في بناء الشطر بحيث يكتمل فيه التركيب النحوي مع وحدة التفعيلة،
مما يدلّ على أنّ الشاعر يزاوج بين حرية قصيدة التفعيلة وبين دقّة موسيقيّة واعية تمنح النص تماسكاً وإيقاعاً منتظماً.
الحلم والأسطورة
4- اعتمد الشاعر منذ البداية على الرؤيا وسيلة للتعبير. بين تجليات ذلك وما سمحت به هذه الوسيلة من إمكانات متعددة للتعبير.
تتجلّى الرؤيا في حديثه عن نفسه كأنه في برزخ بين الحياة والموت، وفي تحوّله إلى فكرة أو طائر أو شاعر أو كرمة.
هذه الرؤيا مكّنته من تجاوز الواقع الضيّق والانفتاح على عوالم غيبية وكونية، واستثمار المجاز والصور الرمزية
للتعبير عن القلق والبحث عن المعنى والخلود.
5- أين استعمل الشاعر الأسطورة؟ وفيم وظّفها؟
استعمل الأسطورة في صورة الانبعاث من الرماد والقيام من العدم إلى الوجود،
بما يذكّر بطائر الفينيق الأسطوري. وقد وظّف هذه الصورة ليجعل من الذات الشاعرة رمزاً للخلود والتجدّد المستمر
عبر الكلمة والإبداع.
الذات ورسالتها :
6- بيّن علاقة المتكلّم بالمكان كما تتجلّى في النص عامة، وفي المقطع الخامس خاصة.
في النص عامّةً يبدو المتكلّم في «اللاهنا» و«اللازمان»، أي خارج المكان المألوف،
ما يكشف شعوره بالاغتراب الوجودي. وفي المقطع الخامس يصرّح بأن «المكان خطيئته وذريعته»،
فيرفض أن يُختزل في حدود جغرافية ويفضّل الانتماء إلى فضاء لا نهائي،
فيغدو المكان لديه رمزاً للقيد الذي يحاول تجاوزه.
7- حلّل ما جاء في التعريف بـ«أنا» في المقاطع الثلاثة الأخيرة، مبرزاً نظرة المتكلّم لذاته ولرسالتها في الوجود.
يقدّم الشاعر «الأنا» كذات متحوّلة وخلاّقة: فكرة، طائر، شاعر، كرمة، رسالة ورسولاً في الوقت نفسه.
بذلك تتحوّل الأنا من فرد محدود إلى إنسان كوني يحمل رسالة الجمال والحياة،
ويجعل من وجوده معنى يتجاوز الجسد والزمن عبر الشعر.
التقويم :
* ألا يمكن اعتبار ترديد عبارة «سأصير يوماً ما أريد» مجرّد صناعة لفظية لإحداث الإيقاع؟ ادعم ما تذهب إليه.
التكرار هنا ليس زخرفاً لفظياً فقط، بل هو لازمة دلالية تعبّر عن إصرار الشاعر على تحقيق ذاته رغم العدم،
وتوحّد المقاطع المختلفة في معنى واحد هو وعد التحقّق والخلود،
فيمنح القصيدة قوة إيقاعية ومعنوية في آن واحد.
* قد يرى البعض في ما ينشده المتلفّظ في مقطع «الموعود منفياً مريضاً مشتَهى» أنّ محمود درويش ملّ دوره الوطني «المحدود» وتاق إلى «الإنساني المديد». ما رأيك؟
يبدو أن الشاعر يوسّع أفق تجربته من الوطني إلى الإنساني الكوني،
فيجعل من معاناته الفلسطينية صورةً لمعاناة الإنسان مع الموت والحرية.
لكنه لا يتخلّى عن جذره الوطني، بل يرفعه إلى مستوى الإنسان العام،
فيصبح الدفاع عن الأرض جزءاً من الدفاع عن كرامة الإنسان وحقّه في الحياة.
الاحتفاظ ب : جدارية الأنا
تكشف «الجدارية» عن «أنا» شعرية تمزج بين السيرة الذاتية والتأمل الوجودي؛ فالشاعر يقف في مواجهة الموت ليؤكّد أن الكلمة الصادقة والفكرة الحرّة قادرتان على هزم الفناء. تتحوّل الأنا عند محمود درويش إلى جداريةٍ منفتحة على الآخر والإنسانية، يتجلّى فيها الإيمان بالشعر رسالةً للحرية والكرامة والخلود.

0 commentaires
Enregistrer un commentaire