mercredi 5 novembre 2025

شرح نص المقامة الخمرية - ثالثة ثانوي آداب - مقامات الهمذاني

شرح المقامة الخمرية

التقديم :

المقامة الخمرية لبديع الزمان الهمذاني نصّ نثري مسجوع يروي على لسان عيسى بن هشام مغامرة من مغامرات أبي الفتح الإسكندري، حيث يجمع بين السرد والوصف والشعر، ويوظّف الطرافة والسخرية لفضح النفاق الديني وانقلاب القيم في المجتمع العباسي.

الموضوع :

يصور الهمذاني في هذه المقامة حيلة أبي الفتح الإسكندري الذي يتقن التلون بين صورة الإمام التقي في المسجد وشارب الخمر في الحانة، كاشفًا زيف الورع وفساد القيم في عصره.

التقسيم :

  1. من بداية المقامة إلى قوله: «مع ما كنا نعلم من فسقه»

    • سهر عيسى بن هشام ورفاقه في الشراب ونفاد الراح.
    • الانتقال إلى المسجد عند الفجر، وخطبة الإمام «التقي» على المصلين، ثم ضرب الندمان وافتضاحهم، واكتشاف أن الإمام هو أبو الفتح الإسكندري نفسه.
  2. من «ولما حشرج النهار أو كاد» إلى دعوة صاحبة الحان لشيخها

    • العودة إلى الحانات في ليلة جديدة.
    • وصف الحانة وصاحبتها، ثم وصف الخمر وصفًا مسهبًا مسجوعًا.
  3. من دخول الشيخ/المطرب إلى نهاية المقامة

    • ظهور أبي الفتح مرة أخرى في صورة مطرب ماجن.
    • إلقاء الأبيات الشعرية وتبجّحه بحيلته، وتعليق عيسى بن هشام في ختام المقامة.

الإجابة عن الأسئلة :

الفهم :

مقابلات بنائية

1- اعتمد الزمان والمكان معيارًا لتقسيم النص إلى أجزاء كبرى ووحدات صغرى.
يقوم البناء على ليلتين ومكانين أساسين: ليلة السُكر الأولى تنتهي عند الفجر في المسجد، حيث يظهر أبو الفتح إمامًا واعظًا؛ ثم نهار قصير يعقبه ليل جديد في الحانات، حيث يتجلّى أبو الفتح مطربًا سكيرًا. داخل كل جزء تتفرّع وحدات أصغر: الخلوة، الطريق، الصلاة، الخطبة، ثم الحانة، وصف صاحبتها، وصف الخمر، حضور المطرب.

2- تخللت السرد مقاطع وصفية هامة. حددها وبين منزلتها في هذه المقامة كما وكيفًا.
أهم المقاطع الوصفية: وصف الليل «والليل أخضر الديباج مغتلم الأمواج»، ووصف الحانة وصاحبتها، ثم الوصف الطويل للخمر. من الناحية الكمية هي فقرات واسعة تشغل حيّزًا مهمًا من النص، ومن الناحية الكيفية تمنح المقامة بعدًا تصويريًا ساخرًا، وتبرز التناقض بين قداسة المسجد وفجور الحانة، وتكشف تهافت القيم التي يمثّلها أبو الفتح.

3- ما هي محال الشعر في هذه المقامة؟ وفيم وُظِّف؟
يرد الشعر في موضعين أساسيين: بيت «كان لي فيما مضى عقل ودين واستقامة...» ثم أبيات أبي الفتح التي يعرّف بها نفسه ويتباهى بحيلته. وُظِّف الشعر لـتكثيف السخرية، وتعميق رسم شخصية أبي الفتح الماكرة، ولإضفاء تنويع إيقاعي وفني على السرد المسجوع.

بلاغة البديع

4- تميز السجع في هذه المقامة من حيث النوع وحجم الفقرات. وهل كان متماثلًا في قسمي السرد والوصف؟ بيّن ذلك.
يكثر في المقامة السجع المتوازي والمتوازن، وتطول فقراته خاصة في خطبة الإمام ووصف الخمر، فيأتي في جمل متتابعة متقاربة المقاطع. في السرد يكون السجع أخفّ وأقصر لخدمة حركة الأحداث، أما في الوصف والوعظ فيتضاعف ويصبح أكثر زخرفًا ليعبّر عن مبالغة الواعظ ومجون الندمان في آن واحد.

5- الخمرة من أغراض القول في هذه المقامة. بيّن تآزر ابن هشام وصاحبة الحان من ناحية، وتكامل النثر والشعر من ناحية أخرى في تجويد وصفها ووصف مجلسها.
يتكفّل السارد عيسى بن هشام برسم الإطار القصصي لمجلس الشراب، بينما تتولّى صاحبة الحان مدح الخمر في نثر مسجوع حافل بالاستعارات والتشبيهات، ثم يأتي الشعر الذي ينشده أبو الفتح ليلخّص حاله مع الخمر. هكذا تتآزر الأصوات (الراوي، صاحبة الحان، أبو الفتح) ويتكامل النثر المسجوع مع الشعر في بناء صورة قوية للخمرة ومجلسها.

المتخيل المضحك

6- قام الإسكندري في هذه المقامة بدورين مختلفين، فما مظاهر الطرافة في كل منهما؟
في الدور الأول يظهر إمامًا تقيًّا يشنّع على «من بات صريع الطاغوت» ويحثّ الناس على التوبة، فيبدو المشهد طريفًا لأنه هو نفسه من أهل الحانة. وفي الدور الثاني يظهر مطربًا سكيرًا في أفخم الحانات، يتغنّى بالخمر ويتباهى بحيله، فتتجلّى الطرافة في سرعة تحوّله وقدرته على لعب دورين متناقضين في زمن قصير.

7- فيم يتمثل الإضحاك في هذه المقامة؟ وما دلالاته؟
يتمثل الإضحاك في المفارقة بين مظهر التقيّ وحقيقة الفاسق، وفي المبالغة في السجع والوصف، وفي انقلاب الإمام الواعظ إلى مطرب ماجن في الليلة نفسها. يدلّ هذا الضحك على نقد الهمذاني للنفاق الديني والاجتماعي، وفضحه لزيف الزهد عند بعض المتصدرين للوعظ.

التقويم :

* ما رأيك في المذهب الذي عبّر عنه ابن هشام وطبّقه في الجزء الأول من المقامة؟ وهل تراه يختلف عمّا جسّده الإسكندري في المقامة وعبر عنه في آخرها؟ بيّن ذلك.
في الجزء الأول يقدّم عيسى بن هشام أبا الفتح كأنه تاب وأناب، فيحمد الله على «سرعة أوبته»، فيوهم القارئ بصدق التوبة. لكن النهاية تكشف أن «مذهب» أبي الفتح الحقيقي هو التحايل والتلذّذ بالمجون، فهو يستغلّ صورة الإمام للهيبة والرزق، ثم يعود إلى الحانة. وهكذا يختلف موقف السارد الظاهري (الإعجاب بالتوبة) عن موقف أبي الفتح العملي الذي يهدم ذلك المذهب ويجعل التوبة مجرد قناع.

* إلى أي حد يمكن اتخاذ المقامة الخمرية شاهدًا على انقلاب القيم في مجتمع الكاتب؟
يمكن اعتبار المقامة الخمرية شاهدًا قويًّا على انقلاب القيم؛ فالإمام الذي يفترض أن يكون قدوة الصلاح هو نفسه شيخ الحانة، والمسجد يتحوّل إلى منبر لفضح السكارى لا لتهذيب النفوس فقط، والناس تنخدع بالمظاهر. بهذا يكشف الهمذاني عن مجتمع تُقاس فيه الكرامة بالمظهر والقدرة على الخداع أكثر من الصدق والاستقامة.

الاحتفاظ ب :

كشف الهمذاني في هذه المقامة عن مفاهيم مزيفة انتشرت في عصره؛ فإذا «بتعديل ميزان العقل» عند بعض الناس يكون بجعل النهار للناس والليل للكأس، وإذا بـ«الرجل التقي» يؤمّ المؤمنين في صلاة الصبح ويشهِّر بمن بات صريع الطاغوت، بينما يقضي هو الليل يغنّي للسكارى في الحانات. ويقدَّم الفقر ذريعة لتبرير الحيلة، فيشارك أبو الفتح في الصلاة بالمسجد وهو في سُكر شديد. هكذا يعالج الكاتب مسألة النفاق الديني والاجتماعي في أسلوب قصصي هزلي، ويقدّم نموذجًا لخطاب أدبي يسخر من الزهد الكاذب ويذكّر بانحراف القيم.

التوظيف :

وضّح رأي عبد الفتاح كيليطو في تشبيه أبي الفتح بأبي قلمون، مبيّنًا العلاقة بين تعدّد صور أبي الفتح الإسكندري من حكاية إلى أخرى، في هذا النص وغيره، وتنوّع إنجاز المقامة إنجازًا فنيًّا.
أبو قلمون ثوب تتغيّر ألوانه، ولذلك يشبَّه به أبو الفتح الإسكندري لأنه يتلوّن في كل مقامة بصورة جديدة: تاجر، فقير، واعظ، نحوي، مطرب، إمام... إلخ. في هذه المقامة وحدها يجمع بين صورة الإمام التقي وصورة السكير الماجن. هذا التعدّد في صور الشخصية يقابله تعدّد في أشكال المقامة الفنية نفسها؛ فهي تحتمل الخطبة والوعظ، والحكاية الهزلية، والوصف، والمناظرة الضمنية، والشعر والنثر المسجوع. وهكذا يكون أبو الفتح، مثل أبي قلمون، علامة على مرونة فن المقامة وقدرته على استيعاب أجناس تعبيرية متعدّدة.

0 commentaires

Enregistrer un commentaire