شرح المقامة الجاحظية
التقديم :
المقامة الجاحظية من مقامات بديع الزمان الهمذاني، يرويها عيسى بن هشام وتجمع بين وصف وليمة فاخرة ومناظرة أدبية حول بلاغة الجاحظ، يتصدرها أبو الفتح الإسكندري بحيله ودهائه وبلاغته.
الموضوع :
تصوّر المقامة مجلس وليمة يتحوّل إلى مناظرة ساخرة في البلاغة يكشف فيها أبو الفتح ذكاءه واستغلاله للأدب في استدرار العطايا.
التقسيم :
-
مشهد الدعوة والوليمة
- خروج عيسى بن هشام إلى الوليمة ووصف المجلس والطعام والجو العام.
-
الحوار حول الجاحظ والبلاغة
- انتقال الحديث من اللهو إلى الأدب، ونقد الجاحظ وبيان تصور جديد للبلاغة على لسان الرجل ثم أبي الفتح.
-
شعر أبي الفتح وخاتمة المقامة
- إلقاء أبي الفتح لقصائد المدح لنفسه، وإعجاب الجماعة به، والتعريف بأصله الإسكندري.
الإجابة عن الأسئلة :
الفهم :
بناء المقامة
1- تبين مقاطع النص بالاستناد إلى تغير المتلفظين.
– المقطع الأول: عيسى بن هشام يروي دعوته إلى الوليمة ووصوله إلى الدار.
– المقطع الثاني: وصف المجلس والضيوف والطعام والضيف النهم على الخوان.
– المقطع الثالث: انتقال الحديث إلى الجاحظ وابن المقفع وخطابتهما.
– المقطع الرابع: مداخلة الرجل/أبي الفتح الإسكندري في نقد الجاحظ والحديث عن البلاغة.
– المقطع الخامس: إلقاء أبي الفتح للشعر وإعجاب الجماعة به وذكر أصله من الإسكندرية.
أساليب القص
2- حدد موضوعات الوصف في الجزء الأول من متن المقامة وأبرز أساليبه ووظائفه.
موضوع الوصف هو مجلس الوليمة بما فيه من بساط مفروش، وأنماط مبسوطة، وطعام متنوع، وضيوف منعمين يسمرون بالموسيقى والشراب.
اعتمد الهمذاني على السجع، والتكرار، والمقابلة، والجناس مثل قوله: «أس مخضود، وورد منضود، ودن مقصود، وناي وعود». وظيفته إحياء المشهد في ذهن القارئ، وإبراز الترف والمبالغة في النعيم، وتهيئة الجو لظهور البطل المحتال في وسط هذا العالم المترف.
3- ما موقع المقال الذي جاء على لسان أبي الفتح الإسكندري من المقامة؟ وهل لذلك علاقة بالمنزلة التي أرادها له الكاتب؟
يأتي كلام أبي الفتح في قلب المقامة بعد وصف الأكل والشراب، فيحوّل المجلس من لهوٍ بطني إلى حوار فكري حول البلاغة. هذا الموقع يجعل أبا الفتح محور النص؛ فهو الذي يملك القول الفصل في الجاحظ والبلاغة، وبذلك يرفعه الكاتب إلى منزلة الأديب العارف الذي يفرض احترامه في أي مجلس يحلّ فيه.
الشخصية الرئيسية
4- بين مقومات صورة أبي الفتح ودلالاتها كما تتجلى من خلال الحديث عن المأدبة وعن الأدب.
يتّضح من سلوكه في المأدبة أنّه:
– جرئ في الأكل حتى «تسافر يده على الخوان» وتزاحم اللقم بعضها بعضا.
ومن حديثه في الأدب نراه:
– واسع الثقافة، حاضر البديهة، قادر على النقد والموازنة بين الكتّاب.
دلالات ذلك أنّه شخصية مركّبة تجمع بين الكدية والبلاغة؛ يعيش من حيله الجسدية واللفظية معًا، فيجسد صورة الأديب المحتال الذي يجعل الأدب وسيلة للعيش والتميّز.
تصور الإبداع
5- سعى أبو الفتح إلى إرساء مفهوم جديد للبلاغة ومعاييرها في القرن الرابع الهجري. تبين هذا المفهوم من خلال ما ورد في نقده للجاحظ.
يرفض أبو الفتح ما يراه تكلفًا في بلاغة الجاحظ، ويصف كلامه بأنه «بعيد الإشارات، قليل الاستعارات، قريب العبارات، منقاد لعريان الكلام يستعمله، نفور من معتاصه يهمله». فالبلاغة في نظره تقوم على:
– اللفظ السهل القريب من السامع،
– البعد عن الصنعة الثقيلة والاستعارة المتعقّدة،
– انسجام النثر مع الشعر وعدم تفاوت مستواهين.
هكذا يطرح مفهومًا للإبداع يفضّل الوضوح والعذوبة على الإغراب والتكلف.
التوظيف :
6- هل تجد في هذه المقامة وغيرها ما يؤكد تأثر الهمذاني بالجاحظ؟ بين ذلك.
نعم، يظهر تأثر الهمذاني بالجاحظ من خلال: اعتماد النثر الفني المسجوع، واستثمار السخرية، والتوسع في الوصف والتفصيل. غير أنه يخالفه في ميله إلى الجملة الأقصر والإيقاع الأخف، وفي جعل المقامة مبنية على حيلة وبطل ثابت. فهو «ابن الجاحظ وإن جحد»؛ يستوحي طريقته ويطوّعها لأسلوب جديد يناسب عصره.
7- وردت المقطوعات الشعرية في سياقات متنوعة. وضح ذلك.
تظهر الأبيات الشعرية في المقامة عند لحظة طلب أبي الفتح العطاء، فيجعل من الشعر وسيلة للتعريف بنفسه واستدرار الصلات. فهي تأتي:
– لتزيين الكلام وإظهار براعة المتكلم،
– ولتحويل الحديث من النثر إلى الشعر فيبلغ التأثير مداه،
– ولتأكيد صورة أبي الفتح شاعرا خطيبًا يستحق ما يغدق عليه. وهكذا يخدم الشعر غاية الكدية ويزيد المقامة تشويقًا وجمالاً.
التقويم :
* إلى أي حد كانت المقامة ممارسة إبداعية مستجيبة لمفهوم البلاغة كما عبر عنه الإسكندري في هذا النص؟
المقامة تجسد عمليًا مفهوم البلاغة الذي يدافع عنه أبو الفتح؛ فهي نثر مسجوع رشيق، بعيد عن الغموض المفرط، قريب من السامع، يمزج بين السخرية والجد، وبين النثر والشعر. لذلك تعدّ ممارسة إبداعية متجددة تستجيب لمقياس البلاغة القائمة على التأثير والإمتاع أكثر من زخرفة الألفاظ.
* هل كانت الكدية في هذه المقامة غاية يتوسل إليها الإسكندري بالأدب أم كان الأدب هو الغاية التي يسعى إلى إبرازها من خلال الكدية؟ علل إجابتك.
تبدو الكدية في الظاهر غاية أبي الفتح لأنه يطلب العطاء في نهاية المجلس، لكن مسار المقامة يبيّن أن الأدب هو الغاية الحقيقية؛ فكل ما يفعله من أكل، وحديث، ونقد، وإنشاد شعر، يهدف إلى إظهار قدرته البيانية وتمكنه من فن القول. وعبر هذه الكدية يعرض الهمذاني صورة الأديب الذي يثبت وجوده بالبلاغة قبل أن يملأ يده بالعطاء.
الاحتفاظ ب : أدب جد وبديع
من المقامات ما كانت التكدية فيها مسألة ثانوية والحيلة تكاد تكون غائبة؛ إذ الأهم بالنسبة إلى مبدعها هو الموضوع الجدي الذي يثيره فيها. والمقامة الجاحظية نموذج على ذلك؛ إذ تختلط فيها متعة التهكم بوصف الوليمة مع موضوع نقد البلاغة في عصر الهمذاني، عصر أدب «البديع» والزخارف والجمع بين الشعر والنثر، وهو ما حاول تجسيده في هذه المقامة وغيرها.

0 commentaires
Enregistrer un commentaire