شرح قصيدة مرقوم الخد
التقديم :
قصيدة «مرقوم الخد» من الغزل الأندلسي، نُسبت إلى أحد شعراء الأندلس الذين تأثروا بمسالك الغزل القديم وطوّعوها في بيئة حضرية راقية. يصف الشاعر فيها محبوبًا فائق الجمال، فيركّز على خدّه المرقوم وفمه وعيونه وخطوه، ويكشف من خلال هذا الوصف عن شدّة هيامه وسقم قلبه، في إطارٍ لغويّ رقيق وإيقاعٍ غنائيّ منسجم.
الموضوع :
يتناول الشاعر في هذه القصيدة صورة محبوب جميل متدلّل، لا يفي بعهده مع العاشق، فيصف مفاتنه الحسية (الخد، الفم، العينان، الخطوة، الحليّ) ويُبرز في الوقت نفسه ما يسبّبه هذا الجمال من ألم ومرض وذلّ لعاشقه، الذي يتعلّق به رغم جفائه وخيانته للعهد.
التقسيم :
-
وصف جمال المحبوب الحسيّ (من بداية القصيدة إلى الأبيات التي يبرز فيها خدّه وفمه ونظراته)
تشبيه خدّه بالدرّ الشفاف والورد، وذكر أثر فمه في شفاء الظمأ.
-
حال العاشق وتقلّب المعشوقة (من ذكر السقم والموعد إلى الحديث عن الذلّ والهجر والصدّ)
إظهار ما يلاقيه العاشق من مرضٍ روحيّ وذلّ، نتيجة خيانة المعشوقة للعهد وتقلّبها بين الجفاء والوصال.
-
تعظيم المحبوب وتشبيهه بالقمر والسحر (الأبيات الأخيرة)
إبراز أثر الحسن والحليّ والسحر في عينيه وخطوه، وتشبيهه بقمر الأقمار الذي يذهب بالراحة والسلوى.
الإجابة عن الأسئلة :
الفهم :
الغائب الحاضر
1- من المتكلّم في القصيدة؟ وماذا يقصد من استخدام ضمير الغائب المتصل (ـه) بشكل مكثّف؟
المتكلّم هو العاشق الذي يحكي عن تجربته مع المحبوب. وإكثاره من استعمال ضمير الغائب (ـه) يدلّ على أنّ المحبوب غائب بجسده، حاضر في قلبه وخياله حضورًا قويًّا؛ فهو لا يراه أمامه، لكنّه يعيش معه في فكره ووجدانه في كل لحظة.
صور الغزل ومعانيه
2- يجتمع في القصيدة وصف المرأة والتعبير عن الذات، ما العلاقة بينهما؟ وما طريقة الشاعر في نظم ذلك ضمن الأبيات؟
يجعل الشاعر من وصف جمال المحبوب وسيلةً لـالتعبير عن ذاته؛ فحين يصف خدّه المرقوم وفمه وعيونه وخطوه، لا يكتفي بتسجيل صورة خارجية، بل يكشف في الوقت نفسه عن سقم قلبه وحرقة هواه. وقد نظم ذلك بأن بدأ بالوصف الحسّيّ الدقيق، ثم انتقل إلى بيان ما يتركه هذا الجمال من أثر فيه من مرضٍ وذلّ وشوقٍ لا ينطفئ، فامتزجت صورة المحبوب بصورة العاشق.
3- ما الموصوف من المرأة؟ وما أساليب الشاعر في تصويره والتعبير عنه؟
الموصوف هو أساسًا وجه المحبوب وخدّه المرقوم وفمه وعيناه وخطوه المترف. وقد اعتمد الشاعر في تصويره على التشبيه (خدّ كالدرّ الشفّاف والورد، عيون ترمي كالسهم)، وعلى الاستعارة (جمر بفؤاده، سحر في عينيه)، وعلى الكناية (لم يرضَ سوى قلبه وطنًا) ليجعل الصورة حيّة قريبة من الحواس، تعبّر في آنٍ واحد عن الجمال وعن أثره في نفس العاشق.
4- بيّن طريقة الشاعر في إبراز الفعل وضدّه في موقف المعشوقة من العاشق.
يبرز الشاعر تناقض سلوك المعشوقة؛ فهي تعد ثم تُخلف، تجفو وتصدّ، ثم تهشّ وتقبل، ترميه بالذلّ ثم تعود فتقرّبه. هذا التقلّب ظهر من خلال المقابلة بين الألفاظ المتضادّة مثل: الجفاء/الإقبال، الوصل/الصدّ، الوفاء/خيانة العهد، فيكشف عن قلبٍ متقلّب يزيد العاشق ألمًا واضطرابًا بين الأمل واليأس.
تطريب الشعر
5- تشكّلت صورة العاشق في النصّ من مواقفه وأحواله. استخرجها وعلّق عليها.
العاشق في القصيدة مريض بالهوى، يصرّح بأنّ السقم يكسوه، وأنّ جمرًا موقدًا في فؤاده، وأنّ الهوى يفرده بالذلّ. ينتظر المواعيد ولا يتحقق له منها شيء، ومع ذلك يبقى وفيًّا لا يرى لوطنٍ غير قلبه يسكنه هذا المحبوب. هذه المواقف ترسم صورة عاشق صادق، صابر على العذاب، يستلذّ بالألم ما دام صادرًا من حبيبه.
6- بيّن دور الإيقاع في إبراز غنائية الشعر في هذه القصيدة.
يتجلّى الإيقاع في انتظام البحر والقافية وفي تكرار بعض الأصوات خاصة الدال والهاء، وفي الانسياب الموسيقي للألفاظ الرقيقة. هذا الإيقاع المنغّم يجعل الأبيات قريبة من الغناء، فيُبرز غنائية القصيدة، ويُساعد على نقل أنين العاشق وحرقة قلبه إلى أذن القارئ ونفسه، فيتأثّر بالعاطفة كما لو كان يسمع أنشودة حبّ حزينة.
التقويم :
* إلى أيّ حدّ كانت صور الغزل ومعانيه تقليدية في النصّ؟
معظم صور الغزل في هذه القصيدة تقليدية؛ فهي تعيد تشبيه الخدّ بالورد والدرّ، وتشبيه المحبوب بالقمر، وتصوير العاشق مريضًا بالهوى خاضعًا للذلّ. غير أنّ الشاعر جدّد هذه المعاني من خلال رهافة المعجم الأندلسيّ، ودقّة الوصف وحيوية الحركة في الخطوة والحليّ والنظرات، فخرج النصّ من مجرّد التقليد الجامد إلى غزلٍ رقيق نابض بالحسّ.
* ما هو الجانب الذي ترى أنّه أكسب النصّ قيمته الحقيقية؟ ولماذا؟
أبرز ما أكسب النصّ قيمته الحقيقية هو الجانب الفنيّ في الأسلوب؛ من دقّة الصور، وحسن اختيار الألفاظ الموسيقية، والتقابل بين حال العاشق وحال المعشوقة. فالقارئ لا يعجب بالمعنى وحده، بل بكيفية عرضه، إذ يتذوّق الإيقاع الغنائيّ ويتعاطف مع الشاعر في شكواه، وهو ما يمنح القصيدة مكانتها بين مقطوعات الغزل الأندلسي.
الاحتفاظ ب : مسالك الغزل
يسلك الشاعر الأندلسي في إبداع الغزل في الغالب مسالك الشعراء القدامى؛ فيستعيد معانيهم وصورهم المعروفة، لكنّه يُدخل عليها تحويرات جزئية في الأسلوب والتركيب والمعجم، فيصنع من المادة القديمة نصًّا جديدًا يحمل بصمته الفردية ويعبّر عن خصوصية تجربته في الحبّ.
التوظيف :
هذه القطعة من الغزل جاءت في سياق معارضة قصيدة لأبي الحسن عليّ الحصري، وقد عارضه فيها شعراء آخرون قدامى ومحدثون مثل أحمد شوقي وأبي القاسم الشابي. يمكن للمتعلّم أن يعود إلى هذه القصائد الثلاث، فيقارن بينها وبين قصيدة «مرقوم الخد» من حيث صورة العاشق، وطريقة وصف المحبوب، وحضور الطبيعة، ليكتشف مواطن التماثل والاختلاف في أساليب الغزل بين القديم والحديث.

0 commentaires
Enregistrer un commentaire