شرح موشّح هل درى ظبي الحمى؟
التقديم :
موشّح «هل درى ظبي الحِمى؟» لابن سهل الأندلسي قطعة من الغزل الأندلسي جاءت في قالب الموشّح، تجمع بين الوزن الخليلي والمقاطع الغنائية. يصوّر الشاعر حال عاشق مضطرم الوجدان، يشتدّ به الوله حتى يحترق قلبه بنار الهوى، ويتّخذ من المحبوب ظبيًا فاتنًا، ومن الطبيعة إطارًا لعرض الصور الغزلية وإبراز شدّة العشق والخضوع.
الموضوع :
يتناول الشاعر في هذا الموشّح تجربة حبّ قاسية يعيشها عاشق ذليل أمام محبوب متجبّر. يصف أوّلًا احتراق قلبه وقلقه الدائم، ثمّ ينتقل إلى رسم ملامح المحبوب: ثغره، لحظه، ابتسامه، عيونه الساحرة، قبل أن ينتهي إلى الإقرار بعجزه واستسلامه لحكم الغرام، معتبرًا أنّ ظلم الحبيب عدل عنده، وأنّ الذنب في الحبّ ذنبه هو لا ذنب محبوبه.
التقسيم :
-
وصف حال العاشق واحتراق قلبه (الأبيات الأولى)
الإشارة إلى احتراق القلب، والقلق والخفقان، وعجز العاشق عن التخلّص من نار الهوى.
-
وصف المحبوب وملامحه الحسّية (القسم الأوسط من الموشّح)
وصف الثغر، والعيون، واللَّمى، والوجه المشرق، والابتسامة، في إطار من الصور البديعية.
-
ذلّ العاشق واستسلامه لحكم الغرام (الخاتمة)
التصريح بذنب العاشق، وشكره للحبيب رغم القسوة، وقبوله ظلمَه على أنّه عدلٌ في ميزان الحبّ.
الإجابة عن الأسئلة :
الفهم :
مباني الموشح
1- هل بالإمكان أن نستخرج من هذا الموشح قطعتين شعريتين؟ حاول أن تجمع الأقفال والأبيات كلاً على حدة. ماذا تلاحظ؟ وبم تفسّر ذلك؟
نعم، يمكن استخراج قطعتين من الموشّح: قطعة تضمّ الأبيات وحدها، وأخرى تضمّ الأقفال وحدها. نلاحظ أنّ الأبيات إذا قُرئت متتابعة بدت شبيهة بالقصيدة العمودية من حيث الوزن الخليلي وانتظام التفعيلات، في حين أنّ الأقفال تتّحد في القافية وتتكرّر لتمنح النصّ طابعًا غنائيًا. يُفسَّر ذلك بأنّ ابن سهل جمع بين عمود الشعر من حيث الوزن، وفنّ الموشّح من حيث التقسيم إلى أقفال وأبيات وتوزيع القوافي.
2- ما هي أساليب البديع المستعملة في هذا الموشح؟ توقّف عند أهمّ مواطنها وبيّن ما أكسبه كلّ منها من قيمة فنية وقدرة تعبيرية.
من أساليب البديع في الموشّح:
- التشبيه: تشبيه المحبوب بالظبي، وبالشمس، وبالأقحوان… أكسب الصور نعومة وحسنًا وقرّب ملامحه إلى ذهن القارئ.
- الاستعارة: تصوير الحب نارًا تضطرم في الأحشاء، واللحظ سهامًا، والدمع مطرًا… زاد في قوّة التعبير عن العذاب والوله.
- الطباق والمقابلة: بين الحرّ والبرد، الضحك والدمع، الذنب والعدل… أضفت على النص إيقاعًا داخليًا وبيّنت الصراع بين جمال المحبوب وألم العاشق.
- المبالغة: في وصف أثر نظرة المحبوب وثغره وسكره… أبرزت فرط الإعجاب وشدّة التعلّق.
هذه الأساليب جعلت الموشّح لوحة غزلية غنيّة بالصوت والصورة، تجمع بين الموسيقى والمعنى.
التراث والبيئة
3- من مرجعيات الوشّاح في ما ضمنه موشّحه هذا من معانٍ غزلية وتعابير وصور شعرية التراث العربي الإسلامي المشترك ومنها ما له علاقة ببيئة الوشّاح وذاته. اذكر أمثلة لكلّ نوع منها.
يعتمد ابن سهل في موشّحه على مرجعيات متعدّدة:
- التراث العربي الإسلامي المشترك: مثل تشبيه المحبوب بالظبي، وبالشمس، وتشبيه اللحظ بالسهام، والحبّ بالنار، والدمع بالمطر. هذه صور معروفة في الغزل العربي القديم.
- البيئة الأندلسية: ظهور الطبيعة النديّة، والأقحوان، والورد، والأنغام، ممّا يعكس خصب الأندلس وجمال بساتينها.
- ذات الشاعر: شعوره بالذلّ أمام المحبوب، واعتباره نفسه مذنبًا دائمًا، وقبوله عذابه برضى. هذا يعبّر عن تجربة عاشق فردية وليست مجرّد تكرار آلي للصور الموروثة.
التقويم :
* يرى جودت الركابي في كتابه «في الأدب الأندلسي» أنّ موشّح ابن سهل «هل درى ظبي الحمى...» ليس فيه إلا المعاني التافهة والمبالغة في الزينة مع قدر من العذوبة في النغمات والقوافي. فما رأيك في ذلك؟ دعّم الإجابة بقرائن.
يمكن قبول رأيه جزئيًا فقط؛ فالمعاني الغزلية في الموشّح ليست جديدة، فهي تدور حول جمال المحبوب وذلّ العاشق، وهذا مألوف في التراث. لكنّ وصفها بـ«التافهة» مجافٍ للإنصاف؛ لأنّ النصّ يقدّم مشاعر إنسانية صادقة وصورًا بارعة تعبّر عن الاحتراق، والوجد، والرضا بالعذاب. كما أنّ التزيين البديعي ليس مجرّد زخرفة، بل يخدم الموسيقى الداخلية ويزيد من تأثير المعاني. لذلك يبقى الموشّح قطعة فنية غزلية رقيقة رغم بساطة موضوعها.
الاحتفاظ ب : الموشح والقصيدة العمودية
يُظهر هذا الموشّح صلة وثيقة بينه وبين القصيدة العمودية من جهات عدّة:
- الالتزام بالبحر الخليلي وتوزيع التفعيلات على الشطرين، ممّا يجعل الأبيات قابلة لأن تُقرأ كقصيدة تقليدية.
- الاعتماد على القافية الموحّدة في الأقفال مع تنويع قوافي الأبيات، فيتحقّق للنصّ إيقاع مزدوج: إيقاع بحري وآخر غنائي.
- استعمال أساليب البديع ذاتها الموجودة في القصيدة العمودية (تشبيه، استعارة، طباق…) لكن في إطار مقاطع متلاحقة تزيد من حيويّة الموشّح.
- بذلك يكون الموشّح قد حافظ على روح الشعر العربي القديم، وأضاف إليها بنية غنائية جديدة تجعل النصّ صالحًا للإنشاد والتلحين.
التوظيف :
* لابن سناء الملك موقف من الموشّحات التي جاءت على أوزان أشعار العرب، والذي ضمن خرجته مطلع موشّح ابن سهل ذاته. ابحث عن موشح ابن الخطيب وقارن بين النصّين شكلًا ومضمونًا.
يرى ابن سناء الملك أنّ أجود الموشّحات ما كان مبنيًا على أوزان الشعر العربي، أي البحور الخليلية، وأنّ ما خرج عنها أقلّ إحكامًا. موشّح ابن سهل يوافق هذا الموقف لأنّه محافظ على الوزن الخليلي مع تقسيمه إلى أقفال وأبيات.
أمّا موشّح ابن الخطيب «جادك الغيث إذا الغيث همى يا زمان الوصل بالأندلس» فيشبه موشّح ابن سهل شكلًا من حيث:
- التقسيم إلى أقفال وأغصان.
- التزام قافية واحدة في الأقفال وتنوّع القوافي في الأبيات.
- غزارة الزخرفة البديعية وعذوبة الموسيقى.
ويختلفان مضمونًا؛ فموشّح ابن سهل غزليّ فرديّ يصف عذاب عاشق بين يدي محبوبه، بينما موشّح ابن الخطيب حنينيّ تاريخي يسترجع أيّام الوصل بالأندلس ومجالس الأنس فيها. وهكذا يبيّن النصّان إمكانات فنّ التوشيح في التعبير عن تجارب متنوّعة مع الحفاظ على وحدة الشكل.

0 commentaires
Enregistrer un commentaire