شرح المقامة الموصليّة
التقديم :
المقامة الموصليّة مقامة من مقامات بديع الزمان الهمذاني، يرويها عيسى بن هشام عن رفيقه أبي الفتح الإسكندري، وتقوم على كشف حيل هذا المحتال في التظاهر بالولاية والقدرة الخارقة، فيستغل جهل الناس وسذاجتهم في موقفين متتابعين، في إطار يجمع بين السرد المشوّق والإضحاك والنقد الاجتماعي.
الموضوع :
تصوّر المقامة الموصليّة حيلَ أبي الفتح الإسكندري في استغلال جهل الناس وسذاجتهم بادّعاء إحياء الميت وصرف السيل طلبًا للمال والتكسّب.
التقسيم :
-
الحيلة الأولى: ادّعاء إحياء الميت (من بداية المقامة إلى قوله: «فأخذنا الوادي وتركنا القوم ساجدين»)
- دخول الراوي وأبي الفتح دار الميت واستغلال حالة الحزن.
- زعم أبي الفتح أن الميت حيّ، ثم فشل الحيلة وهروبهما بالهدايا.
-
الحيلة الثانية: ادّعاء صرف السيل عن القرية (من «حتى أتينا قرية على شفير واد السيل…» إلى نهاية المقامة)
- إيهام أهل القرية بقدرة دينية خارقة لصرف الماء.
- استغلالهم بذبح البقرة وتزويجه الجارية، ثم الفرار وتركهم ساجدين.
الإجابة عن الأسئلة :
الفهم :
حركة السرد
1- المقامة مقطعان سرديّان. بيّن بنية كلّ واحد منهما والعلاقة بينهما.
يتكوّن السرد من مقطعين متتاليين:
– المقطع الأوّل: حيلة إحياء الميت في الموصل؛ يبدأ بوصف مجلس العزاء وينتهي بانكشاف موت الرجل وهروب أبي الفتح والراوي بالغنائم.
– المقطع الثاني: حيلة صرف السيل عن القرية؛ ينطلق من وصف خوف أهل القرية من الفيضان وينتهي بفرار أبي الفتح والراوي وهم ما يزالون ساجدين.
العلاقة بينهما علاقة وحدة في الشخصية والغاية (التكسّب بالحيلة) مع اختلاف في المكان والوسيلة، ممّا يبرز تكرار نمط الاحتيال في صور متنوّعة.
2- استخرج من المقامة عبارات دالّة على تنامي السرد.
من العبارات الدالّة على تصاعد الأحداث وتطورها:
– «فلما رآه الإسكندري أخذ حلقه فجسّ عرقه…»
– «وقال: يا قوم اتّقوا الله لا تدفنوه فهو حيّ…»
– «ثم قال: خلّوا عن يديه، فسقط رأسه…»
– «فلما ابتسم ثغر الصبح وانتشر جناح الضوء في أفق الجو…»
– «وأومأ إليّ فأخذنا الوادي وتركنا القوم ساجدين…»
تتابع هذه الصيغ من «فلما» و«ثم» و«حتى» يبيّن تنامي السرد وتدرّج الأحداث.
3- قارن بين وضع الشخصية الرئيسية في بداية المقامة وفي نهايتها، وماذا تستخلص من ذلك؟
في البداية يظهر أبو الفتح الإسكندري فقيرًا مرافقًا للراوي يبحث عن الحيلة للخلاص من ضيق السفر، أمّا في النهاية فيغادر محمّلًا بالغنائم بعد أن خدع أصحاب الجنازة وأهل القرية. نستخلص أنّ شخصيته ثابتة في الدهاء والاحتيال وحبّ المال، متغيّرة في الوسائل والظروف بحسب الفرص المتاحة.
الراوي والشخصية الرئيسيّة
4- ما علاقة الراوي في هذه المقامة بالشخصية الرئيسة؟ وبِمَ تميّزت عن علاقته به في المقامتين السابقتين؟
الراوي عيسى بن هشام هو رفيق لأبي الفتح، يشهد حيله ويستفيد من مكاسبه ويشارك في الهرب. تتميّز العلاقة هنا بأنّ الراوي أكثر قربًا وتواطؤًا مع المحتال، لا يقتصر دوره على الحكاية والتعجّب فقط كما في بعض المقامات الأخرى، بل يتحوّل إلى شريك صامت في الجريمة.
5- علامَ اعتمد أبو الفتح الإسكندري في بناء حيلته وفي تنفيذها؟
اعتمد على دهائه وقوة لسانه ومعرفته بطبائع الناس؛ فأوهم أهل الميت بعلمٍ خفيّ بأحوال الموتى، ثم أوهم أهل القرية بقوّة دينية قادرة على صرف السيل، واستعمل في ذلك الخطاب الوعظي واللغة الدينية والمبالغة ليستولي على ثقتهم ثم على أموالهم.
الإمتاع والإفادة
6- بيّن مواطن الإضحاك ووسائله ومقاصده في هذه المقامة.
– مواطن الإضحاك: انقياد أهل الميت لكلام أبي الفتح وتصديقهم أنه يحيي الميت، وبقاؤهم ينتظرون أن يصحوَ، ثم سجود أهل القرية الطويل خلفه وهو قد فرّ وتركهم في الوادي.
– وسائله: المفارقة بين الواقع وما يصدقونه، المبالغة في وصف سذاجتهم، الحوار الطريف، الصور الساخرة (كطول السجود حتى يشكّ الناس في موته هو نفسه).
– مقاصده: نقد الجهل والخرافة عند العامة، وفضح من يتاجر بالدين والعواطف، مع إمتاع القارئ وإثارة ضحكه في الوقت نفسه.
التقويم :
* عبث الإسكندري في القصة الأولى بجثة آدمية، وفي الثانية بفرض ديني؛ فهل تجد له في مقصد الكسب وللكاتب في مقصد الإضحاك والنقد ما يبرّر ذلك ويجيزه؟
من حيث الأخلاق، لا يُبرَّر عبث أبي الفتح بجثة الميت ولا استغلاله للصلاة والسجود، فهو سلوك مدان يكشف انحراف شخصيته. أمّا من حيث البناء الفنّي، فقد استعمله الهمذاني أداةً للإضحاك وللنقد اللاذع؛ فغلوّ أفعال المحتال يضخّم سذاجة من يصدّقه ويُظهر خطورة الجهل الديني، فيتحقّق بذلك مقصد التنبيه والتحذير من أمثال هؤلاء.
* إلى أيّ حدّ تمكّنت هذه المقامة من الكشف عن قدرة الهمذاني على القصّ والوصف واستعمال البديع؟
تكشف المقامة عن قدرة كبيرة للهمذاني في فنّ القصّ؛ إذ بنى حكايتين متتاليتين متناميتين في جوّ من التشويق والمفاجأة، كما برع في الوصف حين صوّر مجلس العزاء وخوف أهل القرية من السيل تصويرًا حيًّا. أمّا من حيث البديع فقد أكثر من السجع والجناس والتشبيه والاستعارة، ممّا أكسب النص إيقاعًا موسيقيًّا وجمالًا بيانيًّا يميّز أسلوب المقامات.
الاحتفاظ ب :
التعرّف في المقامات
يتّخذ «التعرّف» في المقامات شكل التقاء الراوي بشخصية أبي الفتح الإسكندري واكتشاف حيله شيئًا فشيئًا؛ ففي كثير من المقامات لا يعرف الراوي رفيقه منذ البداية، ثمّ يفاجأ في النهاية بأنه «أبو الفتح الإسكندري». أمّا في المقامة الموصليّة فيكون أبو الفتح معروفًا للراوي منذ البدء رفيقًا له في السفر، وهو ما يجعل التركيز أكبر على حيله المتتابعة لا على لحظة التعرّف نفسها.
من مسالك الإضحاك
من أبرز مسالك الإضحاك في هذه المقامة المواقف الدالّة على الحمق؛ فجهل أهل الميت وأهل القرية وغفلتهم عن عواقب الأمور يجعلهم يسلّمون قيادهم لمحتال لا يملك من «الولاية» إلا لسانًا بليغًا. يتولّد الضحك أوّلًا من رؤية تناقض كلامه مع الواقع، ثم يتحوّل إلى رثاء لحال هؤلاء البسطاء الذين يُستغلّ خوفهم وحاجتهم.
التوظيف :
* قف عند الفقرة التي تبدأ بـ«فلما ابتسم ثغر الصبح...» وتنتهي بـ«وقعت عليه أخرى»، وادرس ما فيها من أساليب محدِّدًا محلّها وأنواعها، مبيّنًا دورها في التعبير والتأثير وإكساب الفقرة إيقاعها وجمالها.
تتضمّن هذه الفقرة عددًا من الأساليب البلاغية:
– استعارة مكنيّة في «ابتسم ثغر الصبح»؛ شبّه الصبح بإنسان له ثغر يبتسم، وفيها تشخيص لطلوع الفجر وإيحاء بالفرج والوضوح.
– استعارة في «انتشر جناح الضوء في أفق الجو»؛ صوّر الضوء بطائر ينشر جناحيه، ممّا يضفي حركة وحياة على المشهد.
– سجع في توازي العبارات وتقارب الفواصل (الصبح/الجو، أفواجًا/أزواجًا...)، وهو يسهم في إيقاع موسيقي يقرّب النص من الأسلوب الخطابي.
– طباق ومقابلة بين الحياة والموت، والليل والصبح، والسكون والحركة، ممّا يعمّق مفارقة ادّعاء إحياء الميت.
هذه الأساليب مجتمعة تعطي الفقرة قوّة تصويرية وتأثيرًا عاطفيًّا وتزيدها جمالًا وإمتاعًا.
* بيّن بين هذه المقامة والتي سبقتها (الحرزية) تشابهًا واختلافًا. اجعل في جدول أهم مواطن هذا وذاك.
| المجال | مواطن التماثل | مواطن التباين بين الموصليّة والحرزية |
|---|---|---|
| الشخصية الرئيسة | أبو الفتح الإسكندري هو البطل المحتال في المقامتين. | في الحرزية يتظاهر بالفقر والزهد لاستدرار العطف، وفي الموصليّة يتظاهر بالولاية والقدرة الخارقة. |
| موضوع الحيلة | الحيل في كلتيهما تقوم على الخداع واستغلال سذاجة الناس. | حيلة الحرزية اجتماعية تقوم على التسوّل، بينما حيل الموصليّة دينية/خرافية (إحياء ميت، صرف سيل). |
| الغاية الفنّية | الإضحاك والنقد الاجتماعي بارزان في المقامتين. | النقد في الحرزية موجّه أساسًا إلى المتسوّلين المتصنّعين، بينما في الموصليّة يتركّز على الدجّالين ومن يصدّقهم. |
| البناء السردي | يُفتتح السرد بعيسى بن هشام ويُختتم بكشف الحيلة. | الحرزية تقوم على حيلة واحدة، أمّا الموصليّة فتضمّ حيلتين متتاليتين، مما يوسّع مجال الإضحاك والتصعيد. |

0 commentaires
Enregistrer un commentaire