شرح نص المقامة الحلوانية - ثالثة ثانوي آداب - مقامات الهمذاني

شرح المقامة الحلوانية

التقديم :

«المقامة الحلوانية» نص نثري من مقامات بديع الزمان الهمذاني، يندرج ضمن أدب السخرية والنوادر، يروي فيه عيسى بن هشام ما جرى له في حمّام بحلوان من مواقف طريفة كشفت شخصية أبي الفتح الإسكندري المثقف المهمَّش.

الموضوع :

تصوّر المقامة حادثة الحمّام وما رافقها من تنازع الحجامين حول رأس عيسى بن هشام ثمّ لقائه بأبي الفتح الإسكندري، في مشاهد هزلية تفضح تهميش المثقّف واختلال القيم في المجتمع.

التقسيم :

1. حادثة الحمّام وتنازع الحجامين (من «لما قفلت من الحج...» إلى «ودققته دق الجص»)

   • دخول عيسى بن هشام الحمّام.
   • خدمة الحجامين له ثمّ تنازعهما على رأسه وشكواهُما لصاحب الحمّام وانسلاله خجِلًا.

2. لقاء الحجام الثاني (أبو الفتح) وهذيانه وخاتمة النص (من «وقلت لآخر: اذهب فأتني بحجام...» إلى آخر المقامة)

   • قدوم حجام جديد لطيف المنظر كثير الكلام والهذيان.
   • انكشاف أمره كمثقف مختلّ التوازن، وتعليق عيسى بن هشام عليه وختم المقامة بالبيت الشعري.

الإجابة عن الأسئلة :

الفهم :

اتساق المقامة

1- النص مقطعان سرديان. بيّن بنية كل واحد منهما والعلاقة بينهما.
- المقطع الأوّل: يصف دخول عيسى بن هشام الحمّام وما جرى له من خدمة الحجامين ثمّ تنازعهما على رأسه وفضّ الخصومة عند صاحب الحمّام.
- المقطع الثاني: يقدّم لقاءه بالحجام الثاني (أبي الفتح الإسكندري) وحديثه الطويل الممزوج بالبيان والهذيان قبل أن يكتشف الراوي حاله ويعلّق عليه.
العلاقة بينهما: يتّصل المقطعان بوحدة المكان (الحمّام) والشخصية (عيسى بن هشام) وبتواصل جوّ الهزل والمفارقة في الحادثتين.

2- بأي الأدوار ينهض عيسى بن هشام في هذه المقامة؟
ينهض بدور الراوي الذي يحكي الوقائع، وبدور الشخصية المشاركة في الأحداث؛ فهو صاحب الرأس المتنازع عليه، كما يؤدّي دور الشاهد المنتقِد لما يجري حوله.

مسالك الإضحاك

3- ما المضحك في حادثة الحمّام؟
المضحك أن الحجامين تنازعا بعنف على رأس عيسى بن هشام وكأنه متاع، وكلّ واحد يدّعي ملكيّته له، في حين أن الرأس لصاحبه نفسه، فينشأ عن ذلك موقف عبثيّ ومفارقة تثير الضحك.

4- في أقوال الحجام «بيان وهذيان». ما مظاهر كل واحد منهما؟ وما وظيفة الجمع بينهما؟
- البيان: يظهر في فصاحته وحسن سبكه للكلام واستعماله لمصطلحات دينية وفلسفية مثل «الاستطاعة والفعل» و«ليس وأيس».
- الهذيان: يبدو في اضطراب أفكاره، وخلطه بين الموضوعات، وتناقض كلامه مع الواقع، حتى يغدو كلامه بلا نظام واضح.
وظيفة الجمع بينهما: خلق مفارقة ساخرة تُبرز صورة المثقّف الذي يملك العلم واللغة لكنه فقد اتزانه، فيتحوّل علمه إلى هذيان يضحك القارئ.

المثقف الهامشي

5- ممّ تشكّلت صورة أبي الفتح الإسكندري في هذه المقامة؟ وما دلالاتها الاجتماعية والفكرية؟
تتشكل صورته من كونه رجلًا فصيحًا واسع الاطلاع، لكنّه مطرود من دائرة الاعتبار الاجتماعي، يغلب عليه الهذيان والسوداء فيتصرف تصرّف المجانين. تدل هذه الصورة على تهميش بعض العلماء في المجتمع، وعلى المفارقة بين قيمة المعرفة نظريًا ووضع حاملها اجتماعيًا.

6- ليس من الصدفة أن يكون الشيء الذي تدور حوله القصتان في المقامة هو رأس ابن هشام. ماذا نستنتج من ذلك؟
الرأس رمز للعقل والفكر؛ فتنازع الحجامين عليه، ثمّ تعرّضه لهذيان أبي الفتح، يوحي بأنّ العقل نفسه أصبح موضوع عبث واضطراب في المجتمع، فيسخر الهمذاني من واقع تغيب فيه الحكمة ويُستهان فيه بالفكر.

الاحتفاظ ب :

تؤكد هذه المقامة أنّ من أهمّ خصائص المقامة قيامها على فنّ الإضحاك بمختلف أساليبه: المفارقة، المبالغة، قلب الأدوار، وهي بذلك قريبة من النادرة.
كما تُبرز أنّ بعض المقامات قد تخلو من الحيلة والتكدية، ومع ذلك تحافظ على طرافتها بفضل الموقف العجيب والصياغة البديعة.
وتجسّد شخصية أبي الفتح الإسكندري نموذج المثقف الهامشي الذي لم يجد المنزلة اللائقة بعلمه، فاختلّ توازنه بين البيان والهذيان.

التوظيف :

استعمل الهمذاني في نصّه هذا مصطلحًا فلسفيًا على لسان صاحب الحمّام ثمّ الحجام (ليس/أيس، الاستطاعة والفعل). علام يدلّ ذلك؟
يدلّ هذا الاستعمال على سعة ثقافة الهمذاني واطّلاعه على مباحث علم الكلام والفلسفة، كما يكشف رغبته في إدماج القضايا الفكرية الجادّة داخل نصّ هزليّ، فيتحوّل المزج بينهما إلى وسيلة للسخرية من توظيف هذه المصطلحات في غير موضعها العملي.

التقويم :

* ما رأيك في الشعر الذي خُتمت به هذه المقامة؟ (جودة وأداء وظيفة)
البيت الختاميّ شعر سلس طريف، يعبّر عن تعهّد الراوي ألّا يحلق رأسه مهما اشتدّت حاجته، فيأتي الخاتمة في صيغة نذر ساخر يرسّخ جوّ الهزل، ويجمع بين جودة الصياغة وإحكام إغلاق المقامة على لمسة مضحكة.

* إلى أي حد يمكن أن نعتبر فنّ الهزل في المقامة كشفًا لحقائق اجتماعية في عصر الهمذاني؟
الهزل في هذه المقامة ليس غاية في ذاته، بل هو أداة نقد؛ فمن خلال المواقف المضحكة يكشف الهمذاني عن تدهور مكانة المثقف، وانتشار الجهل والعبث، وسوء المعاملة في الفضاءات العامة مثل الحمّام. وهكذا يتحوّل الضحك إلى مرآة لواقع اجتماعي مختلّ في عصره.