شرح قصيدة هذه مصر فأين المغرب؟
التقديم :
قصيدة «هذه مصر فأين المغرب؟» للشاعر الأندلسي المقّري التلمساني، وهي من شعر الحنين إلى الوطن، وردت في كتاب «نفح الطيب». ينظم الشاعر قصيدته على بحر الرمل، ويقارن فيها بين مقامه بمصر وذكرياته الجميلة في مدن الأندلس مثل حمص وإشبيلية وشنتبوس ومالقة، فيعبر عن اغترابه في مصر وشدة تعلّقه بالمغرب والأندلس.
الموضوع :
يعبّر الشاعر في هذا النص عن حنينه العميق إلى وطنه الأندلس، فيستحضر لذّات العيش هناك وجمال الطبيعة والأنهار والزوارق والقصور، ويقابلها بحاله المتعب في مصر. ومن خلال تكرار النداء عن المدن الغائبة، يبرز الشاعر شعوره بالفقد والاغتراب ووفاءه لوطنه الأول.
التقسيم :
-
مطلع المفاضلة والحنين إلى المغرب (من «هذه مصر فأين المغرب» إلى «ولا من يعتب»)
- المقارنة بين مصر والمغرب وذكر حمص وإشبيلية وشنتبوس.
- إبراز لوعة الفراق وكثرة الذكريات الماضية.
-
وصف لذّات العيش والطبيعة في الأندلس (من «بلدة طابت ورب غافر» إلى «فبدا للعين منها مشرب»)
- وصف الأنهار والزوارق والزهور والكؤوس.
- استحضار مشاهد الرحلة والبحر والقلاع كطيور محلّقة.
-
ذكر مالقة وخاتمة الحال في مصر (من «وإلى مالقة يهفو هوى» إلى «هذه حالي، وأما حالتي في ذُرى مصر ففكر متعب»)
- استحضار أبراج مالقة وما فيها من بهجة وعشق للطبيعة.
- مقابلة الماضي السعيد بالحاضر المتعب في مصر.
الإجابة عن الأسئلة :
الفهم :
مباني النص
1- قسم النص باعتماد معياري الزمان والمكان.
يقوم النص على مكانين أساسيين: الأندلس/المغرب (حمص، إشبيلية، شنتبوس، مالقة) ومصر حيث يقيم الشاعر الآن. أمّا الزمان فيتراوح بين زمن الماضي السعيد في الأندلس وزمن الحاضر المتعب في مصر.
2- كيف تحكمت المفاضلة التي صرح بها الشاعر منذ مطلع القصيدة بين مصر والمغرب في بناء القصيدة؟
من البيت الأول يعلن الشاعر مفاضلته: «هذه مصر فأين المغرب؟»، فيجعل من المقارنة بين البلدين محورًا بنائيًا للقصيدة؛ فكل الأبيات تقريبًا إمّا تستعيد محاسن المغرب والأندلس، وإمّا تلمّح إلى ضعف إحساسه بالراحة في مصر، فتترسخ ثنائية الماضي/الحاضر، المغرب/مصر، السعادة/التعب.
3- تعدد استعمال «أين» و«كم/لكم» في النص، فما علاقة ذلك بظروف القول ومضامينه؟
تكرار «أين» يدل على التحسر والبحث عن المدن الغائبة التي تركها الشاعر وراءه، وهو يناسب حالته النفسية كمنفيّ حزين. أمّا «كم/لكم» فتدل على الكثرة ووفرة اللذات والذكريات التي عاشها في الأندلس، ممّا يبرز عمق حنينه واستغراقه في استرجاع الماضي.
صورة الطبيعة
4- اختص كل مكان من الأماكن الموصوفة بمظاهر جمالية معينة. حدّدها واستخلص منها بعض خصائص البيئة الأندلسية الطبيعية والحضارية.
في الأندلس تظهر الأنهار ذات الخرير المطرب، والحمام يغرد حولهم، والنواعير والزوارق، والزهور والقصور والأبراج... وكلها تدل على طبيعة خصبة وحضارة راقية فيها متع حسية وروحية. أمّا مصر، رغم جمال نيلها، فقد بدت للشاعر مجرد مكان لإقامة متعبة لا تعوّض حلاوة العيش في وطنه الأول؛ وهذا يكشف عن ارتباط الأندلس في ذهنه بالنعيم والرقي الحضاري.
5- جمع الشاعر في البيت الحادي عشر الحواس الملتذة بمباهج الطبيعة، فما نصيب كل منها فيما ذكره في كامل النص؟
البصر: يرى جمال الأنهار والزوارق والأقمار والأبراج والقصور.
السمع: يسمع خرير النهر المطرب، وغناء حمام الأيك وصخب المثاني والنواعير.
الشم: يشمّ طيب الأزهار ونفح العطور.
الذوق: يتذوّق لذّة الشراب في الكؤوس التي تُشرب.
وهكذا تتضافر الحواس الأربع لتكوين صورة طبيعية ولذّات حسية كاملة، في حين يغيب اللمس.
التقويم :
- بم يمكن أن تعلل غياب التعرض إلى الحاسة الخامسة (اللمس)؟
يمكن تعليل ذلك بأن الشاعر يسترجع الذكريات عن بعد ولا يعيش اللذّات مباشرة، فاللمس يرتبط بالحضور الجسدي وبالاقتراب المادي، بينما حاله الآن حالُ منفيّ يحنّ إلى ما فات، لذلك ركّز على الحواس التي تنقلها الذكرى والخيال أكثر من اللمس.
- وبم تعلل عدم ذكر «المرأة» ضمن المتع التي تركها في الأندلس؟
لأن النصّ أقرب إلى حنين وطني ومكاني منه إلى غزل شخصي؛ فالشاعر يركّز على المدن والأنهار والطبيعة والقصور، أي على وطن كامل تركه خلفه، لا على شخص بعينه. كما أن ذكر المرأة قد يحوّل القصيدة إلى غزل، بينما هو يريد إبراز ألمه من ضياع الأندلس كلها.
الاحتفاظ ب : السياق والبيئة الأندلسية
يبيّن هذا النص أهمية السياق اللفظي والمعطيات المقامية في فهم الشعر الأندلسي؛ فذكر المكان (حمص، إشبيلية، مالقة...) والزمان (زمن النفي بعد السقوط) وأحوال الشاعر (منفيّ حزين) ودواعي القول (الحنين والمقارنة بين الأوطان) يساعدنا على تفسير معاني القصيدة وصورها. وإذا كانت المفاضلة بين الأندلس والمشرق تقوم في الظاهر على مباهج الطبيعة، فإنها تخفي أيضًا اختلافًا في العقليات وظروف العيش والسلوك الحضاري بين البيئتين.
التوظيف :
استخلص ما يدل على اختلاف صورة الطبيعة باختلاف دواعي القول وأحوال الشاعر عند إنتاجه لقوله من القصائد التالية:
في قصيدة «هذه مصر فأين المغرب؟» تظهر الطبيعة إطارًا لـالحنين والاغتراب، فهي صور ماضية يتمنى الشاعر استعادتها.
في «نفسي الفداء» لابن زمرك تستدعى الطبيعة لتأكيد مجد السلاطين وعظمة الحكم، فتصير جزءًا من صورة الدولة القوية.
في «إني ذكرتك بالزهراء» لابن زيدون تمتزج الطبيعة بمعاني الحب والوصال، فتغدو حدائق قرطبة رمزًا للعهد الجميل مع الحبيبة والوطن معًا.
أمّا في «الحسن مؤتلف» لابن الأبار فتصوَّر الطبيعة في إطار الجمال المنسجم الذي يجمع بين البساطة والرقي، فتبرز دقّة الذوق الأندلسي ورهافة إحساس الشاعر.
→ يتبيّن من ذلك أن صورة الطبيعة تتغيّر تبعًا لدواعي القول وحالة الشاعر النفسية: فهي مرّةً غزلية، ومرّةً سياسية، ومرّةً وطنية حنينيّة كما في نص المقّري.

0 commentaires
Enregistrer un commentaire